Datasets:

text
stringlengths
1
2.38k
en_topic
stringclasses
10 values
«ووَجَدْنا قوْمًا طلبُوا علومَ الأوائل، أو عِلمًا منها، واتَّخَذُوا سائرَ العلوم سُخْريًا،
Art-and-Literature
بمنهجية حصيفة يؤكد ابن حزم أنه لا يهاجم العلوم ذاتها، وإنما يتنقص مَنْ « قصَدَ بعلمه ذمَّ سائر العلوم»، وهو يرى أن من اختص بعلم واحد، مع اعترافه بفضل سائر العلوم التي قصر عنها، «فهو محمود فاضل
Art-and-Literature
في كل حال، فـ «من اقتصر على علم واحد، لم يطالع غيره، أوشك أن يكون ضحكة: وكانَ ما خَفِي عليه من عِلْمِه الذي اقتصرَ عليه أكثرُ مما أدْرَكَ منه، لِتَعَلُّقِ العلوم بعضها ببعض»
Art-and-Literature
إعطاء للبديل من هذه الأحادية العلمية البغيضة الفاشلة، وإدراكًا لاستحالة الإحاطة بالعلوم جميعًا، فإن ابن حزم يدعو إلى الموسوعية الآخذة «من كل علم بطرف»، مع التخصص المتعمق في العلوم الملائمة لملكات المتعلم الذهنية وميوله النفسية
Art-and-Literature
هذا الجنوح إلى الموسوعية قصْد تكامل المعارف وتوازن الشخصية، هو المنزع الطاغي لدى الأندلسيين، فـالزاهد يحيى بن مجاهد الفزاري (366/ 977م)، أحد شيوخ ابن حزم، كان يحدِّث طلابه عن منهجيته في طلب العلم، قائلًا: «كنت آخذ من كل علم طرفًا، فاستماع الإنسان قومًا يتكلمون في علم، وهو لا يدري ما يقولون غمة عظيمة»
Art-and-Literature
إذا كان الهوزني والمالقي لم تُفَسَّرْ مَوْسُوعِيَّتُهما إلا بعبْقريتهما، فإن ابن حزم وشيخه الفزاري، يُعْطيان للتوسع المعرفي تحليلًا نفسيًّا، حيث يرى الأخير أن جهل أي علم «غمة»، لا تنفرج إلا بالاطلاع عليه، وبهذا البُعد النفسي فسَّرَ ابن حزم الفضول المعرفي، حتى ولو تعلق ببعض العلوم الخرافية في نظره، كالتنجيم، فإنه «لا ينبغي لطالب الحقائق أنْ يخلو من النظر فيه ليعرف أغراضهم، ويريح نفسه من تطلعها إلى الوقوف عليها، ويزيل عن نفسه الهم»
Art-and-Literature
الحرية هي العنصر الرئيس الدافع للفن الطامح إلى ممارسة دور إيجابي مؤثر في حياة البشر
Art-and-Literature
إن الهدف الأساس للاستبداد هو إنتاج العبيد، وإعادة إنتاجهم، الأمر الذي يمكنه من المحافظة على مرتكزاته في المجتمع واستمرار تحكمه في السياسة والاقتصاد، والفن من الوسائل التي يطوّعها لتحقيق هذا الهدف؛ ذلك أنه يساهم عمومًا في تشكيل الوجدان الشعبي وصوغه، ويذكي إما روح الشك والتساؤل والتمرد والتغيير، وإما روح الاستكانة والقبول والخنوع والمحافظة على الوضع القائم كما هو
Art-and-Literature
يشيع في النظم الاستبدادية الفن العقائدي الذي يعمل وفقًا لمقولات «الأب القائد» وأيديولوجيا الحزب الحاكم، وله اتجاه واحد: من الفنان إلى الجمهور، معتمدًا على الأسلوب التلقيني المباشر، ويفتقر إلى العودة الضرورية في الاتجاه المعاكس؛ أي من الجمهور إلى الفن، وهو الاتجاه الذي يعيد تكوين الفن ويحثّه على إعادة النظر في أفكاره وآلياته ووسائله، وعلى إبداع الجديد وإعادة بناء العملية الفنية كاملة دائمًا
Art-and-Literature
لا شك في أن الفن هو وليد البيئة التي ينشط فيها، فالبيئة المنفتحة تنتج فنًا مختلفًا عن الفن الذي ينشأ ويعاني في ظل بيئة مغلقة واستبدادية
Art-and-Literature
في هذه البيئة تمنع السلطة الاستبدادية الفنان الحر من التفاعل مع جمهوره على نطاق واسع، لكنها قد تسمح له، أحيانًا، بهامش ضيق لإظهار «ديمقراطيتها وانفتاحها» على العالم الآخر وامتصاص احتجاجه، أو لتزيين نفسها بفنان من هذا النوع
Art-and-Literature
عندما يُسخّر الفن في خدمة السلطة والأيديولوجيا السائدة فإنه يفقد معناه، وتصبح عناصره المختلفة ومراحله الإنتاجية أسيرتهما في كل لحظة
Art-and-Literature
جدير بالذكر أن الاستمرارية تكون من نصيب الفنون التي تحمل رؤية عميقة وحرة للحياة والعالم والذات البشرية، وتحمل المبادئ والقيم الإنسانية التي تعارفت عليها البشرية، في حين الفنون التي سُخّرت في خدمة الاستبداد بأصنافه السياسية والدينية والأيديولوجية، فإنها تكون موقَّتة وترتبط بدوام الاستبداد وتزول بزواله من دون ترك أي تأثير
Art-and-Literature
لا يسعى الناس بمتابعتهم الفنون، إلى الترويح عن أنفسهم والتسلية فحسب، بل يطمحون أيضًا من خلال مشاهدتهم الأفلام السينمائية والعروض المسرحية، وقراءة الشعر والقصة، وتأمّل اللوحات الفنية، إلى أمرين مهمين في الحياة الإنسانية؛ الأول: المعرفة، أي معرفة الفرد نفسه والآخرين، ومعرفة الحقائق السياسية والاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في حياته
Art-and-Literature
إن الفن مهنة إنسانية كسائر المهن الأخرى، لكنه يختلف عنها بعدد من الميزات، ولا سيما عندما يكون فنًّا حرًّا؛ فهو يساهم في تلبية الحاجات الروحية، ويعيد تكوين الروح الإنسانية، وينشئ وجدانًا شعبيًا، ويهذّب الذوق العام، ويرفع سوية إدراك الناس للأحداث والسلوك المحيط بهم
Art-and-Literature
الفن، بهذا المعنى، لا يحيا ولا يزدهر إلا في تربة الحرية؛ فالعنوان الرئيس له هو البوح، أي إخراج الكلمة والرأي والحلم والهواجس والآلام والأفراح إلى العلن، والتشارك فيها مع الآخرين الذين يعدّلون في الفن بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال الحوار العلني أو الضمني بين الفنان والجمهور، حيث تسمح هذه العلاقة التبادلية بتطوّر الطرفين، لتكون في حالة متغيرة باستمرار، عمادها الفن المؤثر في الجمهور (حيث يغير قناعاته وتصوراته ومزاجه)
Art-and-Literature
من الشائع القول إن للفن دورًا تعليميًا وتنويريًا، تمامًا كالدور المنوط بالثقافة والإعلام وغيرهما، لكن عندما يستند هذا الدور إلى عقيدة ما أو أيديولوجيا ما، أو عندما يكون مباشرًا وصارخًا في تعليمه وتنويره، أو عندما تسيطر عليه آلية تلقينية أحادية الجانب، فإن هذا الدور يصبح مشبوهًا ومقولِبًا للمشاعر والأفكار، ومنتجًا كائنات متماثلة في الروح والحركة، وملغيًا أي فروق بين البشر
Art-and-Literature
لا يتوافق الفن الحر بالتالي مع الركود والجمود والسكون، ولا مع المحافظة على التقليد والثوابت وما هو سائد، بل يجد دوره الطبيعي حين تُفتح الأبواب غير المطروقة، ويُنبش في المحرمات والمحظورات والممنوعات، ولا سيما السياسية والدينية، وحين تنمّى الروح التحريضية، وتُطرح الأسئلة الجديدة باستمرار، أي مع التخطي والتجاوز الدائمين، ومع الثورة الدائمة على الواقع
Art-and-Literature
تطلق الثورات الشعبية سيرورة تحطيم سلطة الوضع القائم وسلطته الاستبدادية، وتفتح الباب أمام إنهاء مشروعية منتوجاتها في المستويات كلها، السياسية والثقافية والدينية والفنية والجمالية، بعد أن تعريها وتظهر بشاعتها المخيفة
Art-and-Literature
لا شك في أن الفن السوري قام بدور مهم قبل الثورة السورية، على الرغم من التضييق الشديد عليه
Art-and-Literature
لا شكّ في أن عددًا كبيرًا من الفنانين السوريين اتخذ موقفًا مخزيًا من الثورة السورية منذ انطلاقتها، واستمروا في تأدية أعمالهم الفنية على خشبات المسارح والأوبرا وإقامة الحفلات الموسيقية خدمة للسلطة الحاكمة التي اهتمت دائمًا بإظهار أن الأمور في البلد طبيعية
Art-and-Literature
تبرز لدى الناس في أوقات الثورات حاجة ملحة إلى التعبير عن آلامهم وأحلامهم، ويصبح الفن حينئذٍ من أبرز الوسائل للتعبير الثوري؛ فمع الثورة يصبح الفن فعلًا شعبيًا، ولا يحتكره أحد أو يتبع أي جهة، فهي تقدم دافعًا كبيرًا لكثير من الفنانين للانطلاق بإبداعاتهم في سماء الحرية، تعبيرًا عن الغضب الشعبي، وعن آمال الملايين وأحلامهم وتطلعاتهم في مستقبل أفضل وأجمل
Art-and-Literature
قادت الثورة السورية بالفعل إلى ظهور حركة احتجاج ثقافية وفنية متعددة الأوجه، موازية للتظاهرات والأعمال المعارضة للسلطة الحاكمة، وبرزت معها مواهب جديدة واكبت الأحداث السياسية والميدانية بأعمال فنية وثقافية، كالتصوير والرسوم الساخرة (الكاريكاتور) والمسرحيات القصيرة والشعر
Art-and-Literature
ربما تكون طاقة الإبداع الشبابية المتولدة مع الثورة بداية فعلية لتحول جوهري في الفن السوري، لكن ما يجب أن نشدد عليه هو أن للفن مساراته الخاصة المعقدة والطويلة
Art-and-Literature
في أثناء الثورات، ليس ثمة فرصة زمنية لإنتاج فن حقيقي جديد يحقق الوحدة والتكامل المطلوبين بين الشكل والمضمون في العملية الإبداعية، لأن العناصر الأساس اللازمة للإبداع لا تكون متوافرة في مثل هذه الأحوال
Art-and-Literature
من البدهيّ القول إنه يقع على عاتق المثقف/الفنان السوري، بعد الثورة السورية وما أبرزته من أوضاع انتقالية جديدة، المساهمة بفاعلية في رد الاعتبار إلى الفن وإلى دوره الطبيعي في حياة البشر، وإعادة النظر بوظيفته التي استقر عليها طوال عقود عدة، أملًا في بناء مستقبل إبداعي جديد
Art-and-Literature
في كتاب سورية الأخرى: صناعة الفن المعارض، تحاول ميريام كوك التعريف بسورية الأخرى، غير المعروفة إلى حدٍّ كبيرٍ للأميركيين والغرب عمومًا، من خلال تسليط الضوء على نهج السلطة السورية وآلياتها في ضبط المجتمع السوري، ودور الثقافة والفن في مقاومتها، بعد أن أقامت في سورية بين خريف عام 1995 وربيع عام 1996، وتعرفت في تلك الفترة إلى الوسط الثقافي والفني
Art-and-Literature
يتحدث هذا الكتاب إذًا عن أولئك المعارضين المبدعين الذين قاتلوا من أجل الحرية وحاربوا النفاق وقاوموا المناخ الخانق الذي ساد طوال عهد حافظ الأسد الذي امتدَّ ثلاثين عامًا
Art-and-Literature
أدى كثير من المثقفين ممن قابلتهم ميريام كوك، في أثناء إقامتها في سورية، دورًا ظاهرًا مثيرًا للجدل في تشكيل المنتج الثقافي السوري في منتصف التسعينيات، آملين تجنب إلصاق تهمة الخيانة والتواطؤ بهم، وهم يعملون في نطاق المفاهيم الرسمية السائدة وضدها في الوقت ذاته، مثل «المواطن الصالح» و«سقف الوطن»، وغيرها من التعابير التي ابتدعتها السلطة وحدّدت من خلالها المسموح والممنوع
Art-and-Literature
دأبت السلطة السورية على استدعاء الشعراء وأساتذة الجامعات والفنانين وكتاب المسرح على نحوٍ دوري للمساعدة في إنتاج الرأي العام وتغذية عبادة الفرد الحاكم
Art-and-Literature
تتحدث الكاتبة عن المسرحيات الديمقراطية التي كانت تلجأ إليها السلطة الحاكمة، مثل الانتقاد المرخَّص والانتقاد المُكلَّف، خصوصًا في أوقات الأزمات والاختناقات السياسية والاقتصادية، عندما «يرتئي الرئيس أن من الأفضل وجود مستوىً آمن يمكن السيطرة عليه من الاستياء الشعبي، بدلًا من كبت مشاعر الشعب بشكل كامل»
Art-and-Literature
ترى كوك أن الانتقادات التي تطاول السلطة دون «الرئيس» تُصنَّف ضمن ما سمّته ليزا ودين الانتقاد المرخَّص أو المأذون به
Art-and-Literature
أما الانتقاد المُكلَّف الذي يوجد في المسافة الفاصلة بين ما هو مسموح به وما يُعد تعديًا، فإنه يظهر، كما لاحظت كوك، عندما تقوم السلطة بالضغط على المعارضين للاستمرار في سلوكهم المعارض، فكونهم معارضين يجعلهم مؤثرين، ثم تحاول السلطة احتواء معارضتهم وانتقاداتهم
Art-and-Literature
يتألف كتاب سورية الأخرى: صناعة الفن المعارض من مقدمة وثمانية فصول: «الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية»، «أدبنا حبيسُ الوطن»، «لا وجود لشيء اسمه أدب النساء»، «انتقاد مكلَّف»، «تمثيل المعارضة»، «تصوير أحلام»، «خَفِّف الوطء»، «الرحيل من دمشق»، إضافة إلى ملحق
Art-and-Literature
لقد جهدنا في أثناء ترجمتنا هذا الكتاب أن نستقي الاقتباسات التي أغنت بها الكاتبة مؤلَّفها من مصادرها الأم، ولما لم نستطع الإحاطة بها كلها، عمدنا إلى ذكر ما عجزنا عن نقله بحرفيّته بتصرف أملته علينا الترجمة، لذا وجبت الإشارة
Art-and-Literature
بعد شهرٍ من غزو العراق في آذار/مارس 2003 اعتبرت إدارة بوش سورية، جارة العراق، «دولة مارقة»
Art-and-Literature
أقمت في سورية بين خريف عام 1995 وربيع عام 1996، تعرَّفت في أثنائها إلى الوسط الأدبي فيها، وأوليت اهتمامًا خاصًا بالأديبات؛ فعلى الرغم من وجود عدد من الكتّاب السوريين المعروفين في المنفى، لم يحظَ الكتّاب الذين ظلّوا في الداخل بشهرةٍ واسعةٍ خارج البلاد
Art-and-Literature
كنت مساء يوم ما في منزل الكاتب المسرحي ممدوح عدوان (1941-2004) عندما سألني لماذا أمضي وقتًا طويلًا مع الأديبات، ولا أخصِّص وقتًا أطول للاطلاع على مجال الأفلام والمسرح ومؤلَّفات الرجال
Art-and-Literature
انضم عدوان إلى المحادثة قائلًا: «تعكس سرديات السجون حياتنا اليومية»
Art-and-Literature
قال ملص بدوره: «يستطيع الكاتب الموهوب أن يصحب القارئ إلى عالم خيالي غير مألوف، ويشعرك بأن هذا العالم حقيقيٌّ إلى حد يخيَّل إليك أنك عشت فيه مدة طويلة
Art-and-Literature
غطى سجن الحياة اليومية جُزءًا كبيرًا من الثقافة التي درستها، حيث حاول مثقفو سورية مقاومة المناخ الخانق الذي ساد في الأعوام الأخيرة من حكم حافظ الأسد، الذي امتدَّ ثلاثين عامًا، ووقعوا في مفارقة أن الدولة التي تتحكَّم فيهم وتسكتهم، كانت في حاجة إليهم
Art-and-Literature
عندما سقط جدار برلين، أوغل الاستبداد الذي دام مدة طويلة في عدائه للمعارضين
Art-and-Literature
حصلت سورية على استقلالها من الاستعمار الفرنسي في عام 1946
Art-and-Literature
يعد العلويون من الطائفة النُصيرية التي أنشئت في منتصف القرن التاسع، وهي فرع من الطائفة الشيعية
Art-and-Literature
وصلت هذه التوترات إلى أوجها في آذار/مارس 1963 عندما خلع الشباب البعثيون الرئيس ناظم القدسي، وأعلنوا حكم حزب البعث في البلاد وشكلوا قيادة وطنية، وأعلنوا الحكم العرفي في البلاد
Art-and-Literature
كانت طبيعة العلاقة بإسرائيل هي ما ميّز النظام البعثي
Art-and-Literature
عند ذكر إسرائيل وعلاقتها بالنظام، تبقى فلسطين المسألة الأبرز، حيث شكلت فلسطين عبئًا على السياسة السورية، ذلك أن دعم القضية الفلسطينية جزء لا يتجزأ من أيديولوجية البعث
Art-and-Literature
أضرّت أحداث حرب 1967 و«أيلول الأسود» بصدقية صلاح جديد، فاستغل حافظ الأسد الأمر، وانقلب على حليفه السابق وسجنه في سجن المزة من عام 1970 حتى وفاته في عام 1993
Art-and-Literature
أطلق حافظ الأسد مباشرة بعد استيلائه على السلطة «الحركة التصحيحية» للحيلولة دون شيوع أي انطباع عن وجود شقاق في رأس الهرم، أو أنَّ ما فعله كان انقلابًا عسكريًا
Art-and-Literature
مثَّلت حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، دعمًا إضافيًا للأسد
Art-and-Literature
على الرغم من ذلك، ما كانت البروباغندا الإعلامية سوى واجهة تخفي وراءها بنية تحتية متشددة؛ إذ قاد حافظ الأسد أنموذج دولة أمنية يرئسها حزب واحد على الطريقة السوفياتية، مع وجود «خمسة عشر جهازًا استخباريًا متنافسًا يتجسَّس حتى على شعبه»، وحيث رسّخت المادة الثامنة من الدستور حزب البعث قائدًا للدولة والمجتمع
Art-and-Literature
استمر حافظ الأسد على نهج من سبقه في ممارساته البريتورية (praetorian) في سورية، فعزّز قوانين الرقابة على الصحافة التي بدئ في تطبيقها في منتصف القرن التاسع عشر، وفي فترات متقطعة في القرن الماضي؛ إذ فرض العثمانيون في البداية، ومن بعدهم الفرنسيون في عشرينيات القرن الماضي، قوانين صارمة في شأن ما يُسمح بنشره، ونظّموا الكتابة والتجمعات الثقافية والصحافة إلى حد دفع كثيرًا من المثقفين إلى الفرار إلى مصر أو أوروبا
Art-and-Literature
بقي المثقفون السوريون في حالة حذر دائم في الأعوام الثلاثة والعشرين التي تلت الاستقلال في عام 1946 بسبب سلسلة الانقلابات التي كانت أهم ما ميَّز تلك الحقبة
Art-and-Literature
احتوت قائمة المحرَّمات: «السياسة، والأيديولوجيا، والدين، والمجتمع، والاقتصاد، ولا سيّما ما يتعلق بسورية والشرق الأوسط
Art-and-Literature
إلى ذلك كانت المخطوطات والنصوص تخضع لرقابة لجنة في وزارة الثقافة أو وزارة الإعلام، وكانت هذه اللجنة تمهر كل صفحة توافق عليها
Art-and-Literature
بعد ذلك، طاولت الرقابة على الصحافة لبنان في عام 1976 إبان التدخل السوري في الحرب الأهلية لمصلحة المسيحيين الموارنة
Art-and-Literature
كان الأسد خلاف أسلافه
Art-and-Literature
على الرغم من ذلك كله، أعلن حافظ الأسد نفسه رئيسًا لدولة يجب أن يكون رئيسها مسلمًا
Art-and-Literature
ركّز الأسد على الجانب المعماري ليؤسس سمعته الإسلامية؛ فبنى مساجد ضخمة في أنحاء البلاد، من بينها المسجد الكبير الذي بناه في ذكرى وفاة والدته في بلدته القرداحة
Art-and-Literature
كان الضريح جزءًا من مجمع صغير مليء بصور لباسل وأبيه
Art-and-Literature
مثال آخر على استغلال الأسد الجانب المعماري لتلميع صورته الدينية يمكن ملاحظته في الجامع الأموي المعروف في دمشق القديمة، حيث قام بحملة ترميم واسعة للمسجد في الثمانينيات والتسعينيات، مع إضافة اسمه في قمة إحدى مآذنه بوصفه من قام بذلك
Art-and-Literature
صُمِّمت النقوش هنا بطريقةٍ توحي بالتواضع، فلا يمكن أن يراها أحد إلا الله، ولا يمكن للعين المجردة أن تراها إلا باستخدام عدسة مكبرة أو من طائرة، لكنها صوّرت لاحقًا وعُرضت بشكلٍ بارزٍ في نشرةٍ أصدرتها منظمة اليونسكو
Art-and-Literature
استطاع الأسد بمحافظته على مظهره الإسلامي أن يُسكت الأصوات التي شكَّكت في انتمائه الديني، خصوصًا جماعة الإخوان المسلمين السنية، التي اتهمها أنها «ترتدي ثوب الإسلام، لكنها في الواقع ليست مسلِمة»
Art-and-Literature
استخدمت جماعة الإخوان المسلمين منذ عام 1963 منابر المساجد في مدينة حماة، القلب النابض للطائفة السنية في سورية، لتنظيم تظاهرات شعبية ضد النظام؛ فسجن النظام كثيرين، بشكل رئيس في السجن الصحراوي السيئ السمعة في تدمر
Art-and-Literature
في شباط/فبراير 1982، في إثر اندلاع أعمال عنف في حماة، أصدر حافظ الأسد أوامره بتدمير المدينة القديمة في حماة، حيث كان يتمركز فيها المقاتلون السنة، ثم اقتحمت القوات المسلحة المدينة وقتلت الآلاف من سكانها، إضافة إلى تسوية جزءٍ كبيرٍ من الأحياء السكنية بالأرض وتدمير نواعير عدة على نهر العاصي الذي يمر في قلب المدينة
Art-and-Literature
أثنى بعضهم على الأسد لنجاحه في تطويق مشكلة الإسلاميين، حيث أخفق غيره، لكن أغلبهم صُعق من مقدار العنف الذي رافق العملية، ومن قرار الرئيس قتل مسلمين باسم الإسلام الذي يدّعي أنه يجسده
Art-and-Literature
على الرغم من الهيئة التي بدا فيها سحق المعارضة السنية للخارج، فإن الأسد لم يقتنع أنه قضى على المشكلة نهائيًّا بشكل حاسم، حيث صرح في مقابلة إلى كاتب سيرته باتريك سيل: «نحن لم نكن نتعامل مع القتلة داخل سورية فحسب، بل مع أولئك الذين يخططون لهم أيضًا
Art-and-Literature
مثّل سقوط جدار برلين في عام 1989، وما رافقه من تهاوي الأنظمة الدكتاتورية في شرق أوروبا - وهو النقطة التي بدأت منها - لحظة حرجة لنظام الأسد، الذي تحالف مع الاتحاد السوفياتي وحلفائه في أوروبا الشرقية، ليقاوم سطوة الولايات المتحدة في المنطقة
Art-and-Literature
حاول النظام بكل ما أوتي النأي عن إخفاق الاشتراكية في أوروبا الشرقية، فصبغ نفسه بصبغة الديمقراطية والحرية، حيث «أعلن الأسد في عام 1991 تحوّل اقتصاد البلاد إلى النظام الحر»، ووصل الأمر إلى حدِّ سماحه لوكالات دولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظَّمة العفو الدولية بإجراء مهمات تقصي حقائق تضمنت حضور محاكمات ممسرحة، تجلت السخرية فيها بتصريح كل من وزير العدل حسين حسون ووزير الخارجية ناصر قدور بـ «عدم وجود سجناء بتهم سياسية أو اعتقادية»
Art-and-Literature
قامت الدولة بإفساح المجال في بعض الجبهات، فيما اتخذت إجراءات صارمة في جبهات أخرى
Art-and-Literature
في إثر ذلك قرَّر كثيرون مغادرة الأمن الأبدي لسورية الأسد؛ فكما يقول غسان لسلوى في قصة الصقيع لكاتب السجون إبراهيم صموئيل (المولود عام 1951)، حين أصبح اللقاء في الشارع لا يطاق: «إلى متى نظل نلتقي في الشوارع والحارات مثل اللصوص؟ فكرت قليلًا وكثيرًا
Art-and-Literature
لكن الأكثر إثارة للاهتمام هم الآخرون الذين اختاروا البقاء وحاولوا صنع شيء حتى لو قادهم ذلك إلى «أن ينطفئ ذكرهم في زنازين السجن الرطبة»
Art-and-Literature
يتحدث هذا الكتاب أيضًا عن أولئك المعارضين المبدعين الذين قاتلوا من أجل الحرية وحاربوا النفاق
Art-and-Literature
دُعيت في نهاية أيار/مايو 1996 إلى المعهد الفرنسي في دمشق لإلقاء كلمة، واخترت عنوانًا لكلمتي شعارًا رأيته معلّقًا على الجُدُر في معظم أرجاء العاصمة السورية، «الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية»
Art-and-Literature
لكن حيرتي زادت كلما تعمَّقت أكثر؛ فبعد شهور من إقامتي في دمشق وحديثي إلى مخرجي الأفلام عن تجربتهم في الدولة الأمنية، بدأت أعي مدى تعقيد المُنتج الثقافي آنذاك، حيث بدا التغلب على التناقض بين التشديد الرسمي على أهمية الثقافة والمناخ الخانق الذي نشط فيه المعارضون أمرًا مستحيلًا
Art-and-Literature
بعد رؤيتي مدى انتشار شعار «الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية» في كل مكان، تكوّن لدي انطباع أنني لن أواجه أي مشكلات في استخدامه، لكن مع مرور الوقت بدأ القلق يساورني، فما هو المعنى الحقيقي لهذا الشعار؟ وكيف كان السوريون يقرأون هذه الكلمات؟ وماذا سيكون رأيهم بامرأة أميركية تستخدم هذا العنوان للحديث عن الثقافة المعارضة في سورية؟
Art-and-Literature
كانت الثقافة أحد المجالات الرئيسة التي أولتها الدولة أهمية قصوى؛ فكانت وزارة الثقافة تحثُّ على الكتابة والرسم والنحت وإخراج الأفلام، كما كانت ترعى المعارض الفنية بأنواعها، وكانت الصحف تنشر تقارير يومية عن الفعاليات الثقافية المنوعة التي تقام في دمشق وغيرها
Art-and-Literature
يتوقف عيش الحقيقة كما يقول الكاتب المسرحي التشيكي المعارض - الذي أصبح رئيسًا في ما بعد - فاتسلاف هافيل (Vaclav Havel) على اعتناق «مسؤولية الجموع»، حيث يدفع السعي إلى عيش الحقيقة المثقفين والكتّاب إلى الوقوف في وجه نظام استبدادي
Art-and-Literature
وجدت أن المنشور المؤثِّر الذي أصدره هافيل في عام 1978 بعنوان «سلطة من لا سلطة له» (Power of the Powerless) ضد تلاعب الدولة الرسمي بالشعارات والرموز في تشيكوسلوفاكيا الاشتراكية ضرب وترًا حساسًا بعد مشاهداتي في سورية الأسد
Art-and-Literature
ربما يكون تصور هافيل للحياة في تشيكوسلوفاكيا الاشتراكية بعيدًا بعض الشيء من الحالة السورية، لكنه مع ذلك يقدِّم صورة قيّمة لظاهرة عبادة الأسد
Art-and-Literature
لخصت شعارات الدولة والاستجابة الشعبية لها، في الحقبة التي عاشتها أوروبا الشرقية قبل عام 1989، ما آلت إليه الحال في سورية في منتصف التسعينيات: الاستخدام التعسفي للسلطة، وتسمية قمع الثقافة تنمية لها، وإيهام المجتمع أن محاربة حرية الرأي والكتابة هي أسمى أشكال الحرية
Art-and-Literature
«لا تثق بأي سياسي»، هذا ما قاله وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس في مقابلة جريئة، ثم أضاف: «كلهم كاذبون
Art-and-Literature
إن المشهد الحضري الذي وصفه هافيل والحافل بالشعارات الحزبية صبغ المناظر العامة للمدن السورية بصور عملاقة للرئيس الأسد، وأخرى تضمه وولديه باسل (شهيد حادث السيارة) وبشار (الرئيس الحالي)
Art-and-Literature
في قصة «الناس
Art-and-Literature
على الرغم من معرفتهم أنهم يستطيعون أن يثوروا على النظام، يفضل معظم الناس الصمت، فالإذعان للنظام هو الأسهل مهما يكن ذلك مؤلمًا
Art-and-Literature
تصر ليزا ودين في تحليلها المناخ السياسي في سورية الأسد في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته على أنّ السوريين يدركون على الأرجح الفجوة بين ما يعيشونه والادّعاءات والوعود الفارغة في بوتقة العبادة هذه، ومع ذلك يعيشون كأنهم يصدِّقون ما يقوله النظام
Art-and-Literature
كان ذلك التسامح الفاقد الحسّ مع أساليب التعمية والخداع هو الذي أثار استنكار هافيل، لأنه يؤسّس لإيجاد أنموذج قهري
Art-and-Literature
كان هذا ما فعله أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق أحمد برقاوي في حديثٍ ألقاه في جامعة الأسد ضمن فعاليات معرض الأسد للكتاب في أيلول/سبتمبر 1995
Art-and-Literature
كان الاستماع إلى الخطاب الناري الذي ألقاه البرقاوي بعد شهرٍ من وصولي إلى دمشق أمرًا مذهلًا، لكن ردّة فعلي تجاه المحاضرة كانت مصدر فزعٍ لأصدقائي الذين اصطحبوني إلى معرض الكتاب
Art-and-Literature
لكن هذا لم يكن صحيحًا تمامًا! ففي مقابلة أُجريت في عام 1990 مع رقيب سوري منشقّ، استخدم الاسم المستعار أديب صادق، أكَّد أن الأسد حوَّل بنية الدولة بالكامل إلى «جهاز استخبارات ورقابة كبير»
Art-and-Literature
قبل كلِّ شيءٍ، كانت الرقابة اعتباطية إلى حدٍّ بعيد، إذ حتّى لو التزم الكاتب القواعد غير المعلنة، وتمت الموافقة رسميًا على ما كتبه، فربما يجد نفسه تحت الرقابة بمفعول رجعي
Art-and-Literature
قبل أسبوعين من إلقاء خطابي في المعهد الفرنسي، قابلت أستاذًا كان يُعدُّ وقتذاك من أبرز المثقفين، وعرفت لاحقًا أنه يمتلك القدرة على أن يصنع موهبة ما أو يحطِّمها
Art-and-Literature
- «هل ما زلتِ تريدين استخدام هذا العنوان: الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية»؟
Art-and-Literature
- «نعم، أعتقد أن الوقت قد تأخر على تغييره، أليس كذلك؟ ألم يُعلَن؟»
Art-and-Literature
كان الشعار في كلّ مكان، فلمَ لا أستخدمه؟ في أيلول/سبتمبر 1995 موعد إقامة معرض الأسد السنوي للكتاب، المعرض نفسه الذي ألقى فيه البرقاوي كلمته الفياضة عن الحرية والثمن الذي يترتَّب على إنكارها، كان ذلك الشعار موجودًا في جميع أرجاء المكتبة الستالينية الموجودة في ساحة الأمويين
Art-and-Literature
سألت علي القيّم، نائب وزير الثقافة، من أين جاءت هذه الكلمات؟ ولحسن حظي كان القيّم قد أنهى لتوه تقريرًا عن هذا الموضوع فأعطاني نسخة منه، وقال لي: إن الوزيرة كانت قد بنت الخطة السنوية حول هذه الجملة، وكما يبدو كان الرئيس هو من جاء بها في خطاب له في عام 1984 لمناسبة افتتاح مكتبة الأسد
Art-and-Literature
إذًا «الثقافة»، كما «الحرية»، كانت كلمة جيدة، عبارة راق الدولة أن تستخدمها، وأن تسمعها، وأن تراها
Art-and-Literature
تحمل كلمة «ثقافة» في اللغة العربية درجة من الغموض والتضارب مشابهة لما تحمله نظيرتها في اللغة الإنكليزية
Art-and-Literature
ماذا عنت الثقافة لحافظ الأسد ومن حوله من المسؤولين الذين اقتبسوا كلماته بكلِّ وقار؟ هل استخدموا العبارة من منطلق جمالي أو أنثروبولوجي؟ هل استخدموها كما عرّفها الأديب السعودي المعارض عبد الرحمن منيف (1940-2004) في منفاه، في سورية، بإيضاح الإدراك التاريخي للعصر؟ فبالنسبة إلى منيف كانت الثقافة: الإدراك الواقعي للأخطار والتحديات الذي يمكن من خلاله قراءة آمال المستقبل
Art-and-Literature
لا تُعد عملية السيطرة على المثقفين بغية السيطرة على الشعب شأنًا بسيطًا، فقد كان تيري إيغلتون محقًا بالتأكيد في قوله: «لا يمكن أي سلطة سياسية أن تكون مرتاحة البال من خلال الحكم القهري وحده
Art-and-Literature