Datasets:

text
stringlengths
1
2.38k
en_topic
stringclasses
10 values
ويمدح أبو عامر بن أبي الأصبغ بن أرقم المزدليين اللمتونيين، بقوله:
Art-and-Literature
خيْرُ التَّبَابِعِ والأذْواءِ من يَمَنٍ
Art-and-Literature
الغَالِبينَ على الآفاقِ والمِلَلِ
Art-and-Literature
يُسودُ فِي آخِرِ الأعْصَارِ آخِرُهمْ
Art-and-Literature
وسادَ أوَّلُهمْ في الأعْصُرِ الأُوَّلِ
Art-and-Literature
لعل الطامة الكبرى تتمثل في القفز بالنسب التاشفيني إلى صميم قريش، حيث تفرد ابن خفاجة – بحسب علمي - بإضفاء القرشية على ممدوحيْه: إبراهيم وتميم ابنيْ يوسف، أميريْ الأندلس، ربما تأسيسًا لشرعية إمامتهما، بحسب ما يُفهم من قوله في إبراهيم، أمير شرق الأندلس، حتى عام 515هـ/1121م:
Art-and-Literature
إمامٌ تَدَانَى رَأْفَةً وسَمَا بِهِ
Art-and-Literature
إلى المَجْدِ بَيْتٌ طَاوَلَ النَّجْمَ أرْوَعُ
Art-and-Literature
جَلِيٌّ وفي بَطْحَاءِ مَكَّةَ حَنَّةٌ
Art-and-Literature
إليْهِ وللْبَيْتِ الحَرَامِ تَطَلُّعُ
Art-and-Literature
تَرَى لِقُرَيْشٍ فيهِ بَرْقَ مخِيلةٍ
Art-and-Literature
يَلُوحُ وعِرْقًا لِلْخَلاَفَةِ يَنْزَعُ
Art-and-Literature
وقوله في تميم أميرغرناطة (ت 520هـ/1026م):
Art-and-Literature
إمامٌ فِي الذُّؤَابَةِ منْ قُرَيْشٍ
Art-and-Literature
وحَسْبُ المَجْدِ منْ عُودٍ صَلِيبِ
Art-and-Literature
إذا كان المرابطون لم تؤْثر عنهم دعوى انتماء صريح إلى النَّسَب العربي، أحْرَى القُرَشِي، فإن الشعراء ما كانوا ليجرأوا على وصفهم بذلك لوْلا إدراكهم مُطابقته هَوًى في نفوسهم، ولا سيما في مقام المَدْح والاسْتِجْداء
Art-and-Literature
خلافًا للمرابطين، جاهر الموحدون بنسبهم العربي، إذ انتمى زعيمهم الروحي محمد بن تومرت (ت 524هـ/1129م) إلى آل البيت الطاهرين، بينما اعتزى زعيمهم السياسي «الزمني»: عبد المؤمن بن علي (558هـ/ 1162م) إلى المحتد المضري من قيس عيلان، فكان إذا ذكرت «كومية» يقول: «لست منهم وإنما نحن قيس عيلان بن مضر
Art-and-Literature
لم يكن الخطباء وحدهم من درجوا على ذلك، بل الشعراء أيضًا، إذ امتدحه بذلك النسب أبو عبد الله الرصافي، فقال :
Art-and-Literature
إذا تَألَّقَ قيْسِيًّا أهَابَ به
Art-and-Literature
إلى شَفى منْ مُضاعِ الدِّينِ مَوْتُورُ
Art-and-Literature
بل إن عبد المؤمن نفسه حين استنفرَ العرب الهلاليين للغزو والجهاد في الأندلس، عَزَفَ على وترِ القَرَابَة، ليحرك مفاعيل الجينات في دماء هؤلاء، كما نفخ في ضميرهم الديني باسم الجهاد:
Art-and-Literature
بَنِي العَمِّ منْ عَلْيَا هِلالِ بْنِ عَامِرٍ
Art-and-Literature
وما جَمَعَتْ من باسِلٍ وابْنِ باسِلِ
Art-and-Literature
تَعَالوا فقدْ شُدَّتْ إلى الغَزْوِ نِيَّةٌ
Art-and-Literature
عَوَاقِبُها مَقْصُورَةٌ بالأوَائِلِ
Art-and-Literature
بلغ اعتزاز المُوَحِّدِينَ بعُروبَتِهمْ دَرَجَةً جَعَلَتْ أبا يوسف بن عبد المؤمن (ت 595/1199م) ينكّل بأبي الوليد ابن رشد، شريكه في تاريخ الوفاة، لأنه – من بين أسباب أخرى - قال عن الزرافة، في شرحه لكتاب الحيوان، لأرسطو: «وقد رأيتها عند ملك البربر
Art-and-Literature
لم يتعامل معه بالأريحية التي تعامل بها الأمير الموحدي مع أبي الوليد الشقندي، حين تناظر مع أبي يحيى بن المعلم الطنجي ببلاطه، فاستنتج الأمير أن الشقندي يدندن في مفاضلته على عروبة الأندلس، وبربرية العدوة، فوجَّهَهُما لتدْوين أفكارهما كتابة، باعتبار ذلك أجْدى وأبْقى، كما أسلفنا
Art-and-Literature
لعل هذا الانتماء الوجداني - بغضّ النظر عن صحته في التاريخ أو عدمها - هو خير دليل على انتصار العرب – بالمفهوم الثقافي لا العرقي - في جدل الهويات داخل الأندلس، فمن الصعب أن يتخَلَّى البربري، أو غيره، عن نسبه، إلى نسب آخر، إلا إذا اعتقد أفضليته، وذلك هو مناط هذه المقاربة، ولا يشوش على هذا التصور ما ذهب إليه الأستاذ محمد حقي في تفسير تقمص البربر للأنساب العربية بـ «أن الموقف السلبي الذي اتُّخِذَ من النسب البربري، قد جعل أصحابه يَخْجلون من ذِكْرِ نسبهم، ويحاولون إخفاءه، والالتحاق بأنساب عربية»
Art-and-Literature
في كل حال يبقى البُعد النفسي والثقافي هو الحاسم في الانتماء إلى أي هوية، وإلى العروبة بصفة خاصة، لأن العرب المستعربة - بعد اكتساب هذه الهوية - توافرت لهم شروط حضارية متعددة، جعلتهم أكثر عروبة من العرب العاربة الذين توافرت لهم شروط حضارية نقيضة، سهلت تأثير العجمة في ألسنهم
Art-and-Literature
ما دامت اللغة محدِّدًا أساسيًّا في الهويات، فإن العروبة والبربرية - في أصلهما - صفتان لغويتان، أكثر من كونهما عرقيتين، فـالإعراب يوحي بالفصاحة، والبربرة توحي بالعجمة، وكل منهما يستمد قوَّته من سُلطة المُحيط، وهيْمنة العنصر الأقوى
Art-and-Literature
يَدْعُو بِلُكْنَةِ بَرْبَرِيٍّ لمْ يَزَلْ
Art-and-Literature
يَسْتَفُّ بالصَّحْراءِ حَبَّ بَرِيرِهِ
Art-and-Literature
على هذا الوتر عزف أيضًا ابن الخطيب في أكثر من موضع، إذ يقول:
Art-and-Literature
ماذا لقيْنَا بِمَاغوسِ منَ اللَّغَطِ
Art-and-Literature
لَيْلًا ومن خَرَسِ الأجْراسِ والشُّرَطِ
Art-and-Literature
ومنْ لُغاتٍ حَواليْنا مُبَرْبَرَةٍ
Art-and-Literature
كأنَّنَا ببلادِ الزّنْجِ والنّبَطِ
Art-and-Literature
في سلا – عنده - «تشهد بالسجية البربرية الأصوات واللغات»، وفاس معاشِرُها «باللغات المختلفة لاحنة»
Art-and-Literature
نالَ هذا التَّبَرْبُرُ حتى ذوي الأصول العربية، بحسب هيمنة المحيط والعنصر، مثلما حدث للحموديين الأدارسة، إذ يسخر ابن الخطيب من لكنة علي بن حمود (408هـ/1017م)، عندما عَقَّبَ على قوله لحظة قتله المستعين الأموي (407/1016م): «لا يقتل الزلطان إلا الزلطان»، وكذلك صاحب الحلل الموشية، حين يؤكد حميرية صنهاجة، مُعَقِّبًا بقوله: «وإنما تبربرت ألسنتهم لمجاورتهم البربر، وكونهم معهم، ولمصاهرتهم إياهم»
Art-and-Literature
إذا كانت بيئة النشأة، وسلطة المحيط والجوار، مدعاة لبربرة وتعجيم العرب الأقحاح هكذا، فإنها - في الوقت ذاته، وبالمنطق نفسه - عوامل لتعْريب البربر والعجم، خصوصًا في الأندلس، ولا سيما أن قوة التعريب تستمد هيمنتها من تلبّسها بالعقيدة الإسلامية، باعتبار العربية وعاء الدين الإسلامي الذي يصعب تفريغه منها، أو تفريغها منه
Art-and-Literature
هكذا وجدت في العُدْوَةِ المغربية قصة مع أبي علي الشلوبيني، توازي القصة السابقة لأبي علي القالي مع بر العدوة الأندلسية، إذ ساقتْ هذه القصة «الشلوبين»، أحد أكابر شيوخ الأندلس في اللغة والنحو، إلى مسجد في ضاحية باب دكالة، في مراكش، حيث صادف أبا موسى عيسى بن عبد العزيز بن يَلّلَبخت الجُزُولي البربري، جالسًا بين طلابه، «مبتذل المَلْبَس
Art-and-Literature
على الرغم من هذا التَّعَرُّبِ العميق، في الوسط البربري، نجد أبا الحسن العشبي، يردُّ على أبي المطرف ابن عميرة المخزومي الأندلسي، قائلًا: «وكيف وأنتَ ريْحانةُ قريش، التَفَّتْ عليكَ بطحاؤها، واقتَفَتْ آثارَكَ فُصَحَاؤُها، وعُرِفَتْ بك طرُقُ البلاغة وأنْحاؤُها، وأنا ومَـا أنا؟! نسبٌ في البرابر عريق، وسبب من التعليم لا ممتد ولا وثيق، درجْتُ حيثُ جفاءُ الطباع، وجفاء التكلف من الانطباع، والقساوةُ يَلينُ الصخْرُ وما تَلِين، والغباوةُ يَبِينُ الصبح، وما تبين»
Art-and-Literature
على الرغم من هذه اللفتات الواصفة لعجمة البربر، فإن هؤلاء لم يكتفوا بمنازعة العرب «الأندلس» أنسابهم، بل نازعوهم حتى فصاحتهم، متخذين سلطة محيط الجوار الإسباني مرتكز سخريتهم المزدوجة من عقيدة الأندلسيين وزيهم ولغتهم، وهو ما يعني القذف بالمسخ الحضاري، والتخلي عن ثوابت الهوية: دينًا وزيًّا وخلقًا ولغة، وقد تولَّى كِبْرَ هذه النزعة صاحب طرفة الظريف، حين يقول ساخرًا من الأندلسيين، فيبعض الظواهر اللهجية، مثل إبدال القاف كافًا، والإسراف في الإمالة إلى فعيل: «فما يُتَرَجَّى من قوْمٍ تَغَيَّرَتْ ألْسِنَتُهمْ وأقوالُهم، وتَبَدَّلَتْ سِيرُهمْ وأحْوالُهم، يَرَوْنَ الخطأ صوابًا، والمأثمَ ثوابًا
Art-and-Literature
قدْ بَدَّلَ الوْسْواسَ بالوَسْويسِ
Art-and-Literature
وكذلكَ الخَنَّاسُ بالخَنِّيسِ
Art-and-Literature
وكذاكَ بَدَّلَ آيَةً في آيَةٍ
Art-and-Literature
حَتَّى يُوَّسْوِسَ في صُدُور النَّيسِ
Art-and-Literature
ربما يكون هذا الإسراف في الإمالة، مَرَدُّهُ إلى تأثير عرب الشام الذين كانوا أهم فاتحي الأندلس، والذين لا تزال الإمالة – إلى اليوم - باقية في عقبهم ببلاد الشام
Art-and-Literature
هكذا يتجلى أن المفاضلة بين العرب والبربر، وإن انطلقت من خلفية عرقية، قد تلونت بألوان ثقافية وحضارية أعمق، مثلت جوهر الأفضلية، أكثر من موازنات الجينات، وقد كان هذا دائمًا هو المذهب الأندلسي المعتمد
Art-and-Literature
يُعتبر هذا المبحث - في نظري - خلاصة جدل الهويات، المتأطر ضمن المفاضلات ذات الخلفية العرقية في الأدب الأندلسي، حيث يرتكز على فن أدبي استحدث هناك، يسمّى: «ما اسمك يا أخا العرب»، وينبني على دعامتين: السؤال عن الاسم، والمناداة بأخوة العرب
Art-and-Literature
ما دام ذلك كذلك، فما بالك بالمستعربين المسيحيين، واليهود، داخل الأندلس؟
Art-and-Literature
هنا يجب لفت الانتباه إلى مفارقة لم يضعها الدارسون في سياقها، وهي أن حرية انتحال الأسماء العربية التي أباحها مسلمو الأندلس للمسيحيين وغيرهم، داخل دولتهم وخارجها، أصبحت محرمة بالإكراه على أهلها، بعد أن أصبحوا تحت حكم الإسبان المسيحيين
Art-and-Literature
إن تعريب أسماء النصارى واليهود، داخل الأندلس وخارجها، كان إبان الحُكْم الإسلامي اختيارًا فرديًّا، وحرية شخصية، حتى بالنسبة إلى المسلمين إذا أرادوا الاحتفاظ بأسمائهم الإسبانية، مثل «فيره» و«بشكوال» وغيرهما
Art-and-Literature
إذا كانت هذه الحرية متاحة داخل الأندلس حتى للأجانب عقيدة ووطنًا، فإنه يصبح من الغريب في هذا السياق، حديث القاضي أسلم بن عبد العزيز، رواية عن أبيه أنه «سُمِّي جماعة من موالي الخلفاء بأسماء العرب، فأنكر ذلك عليهم الأمير عبد الرحمن بن الحكم بفضل أنفته، وأكَّدَ فيه نَهْيَه»
Art-and-Literature
نفى محمود علي مكي – في تعليقه رقم 186 على هذه الفقرة – اختصاص العرب بأي أسماء دون الموالي، مستدلًا بأن استعراض أسماء هؤلاء لا يوحي بوجود فوارق جوهرية بينها وبين أسماء العرب الخُلَّص
Art-and-Literature
أمام هذه المعطيات «لم يكن البربر بعيدين عن هذا التيار، خاصة من كانوا منهم في الأندلس، وقد استخدموا وسائل متنوعة ومتعددة، من أجل تحقيق حلم التعريب، فمن اتخاذ الأسماء العربية، إلى تبني الأصول العربية، والتهافت على الولاء، ثم محاولة تشَرُّبُ العربية من منابعها البدوية الحجازية والنجدية، ثم التعمق في دراستها
Art-and-Literature
هكذا يصبح انصهار مكونات المجتمع الأندلسي المتعددة، في بوتقة التعريب على هذا النحو، مسوّغًا لأن يكون نداء «ما اسمك يا أخا العرب؟»، المرفوع شعارًا لهذا الفن، مُوَجَّهًا إلى جميع سكان الأندلس الذين انساقوا مع تيار التعريب عن بكرة أبيهم، باعتبار العروبة انتماء ثقافيًّا وحضاريًّا، أكثر منها نسبة عرقية
Art-and-Literature
إلا أن هذا يمكن أن يُفَسَّرَ – أيضًا - بأن صَرْخة: «ما اسمك يا أخا العرب»، هي إعلان لغربة «الفتى العربي» في منتبذه القصي بمحيط أغلب مكوناته أعجمية
Art-and-Literature
من هنا تكون هذه الصرخة هي محاولة لتأصيل الكيان العربي، المُتَحَلٍّلِ في هذا المجتمع الذي أصبح شعبًا أندلسيًّا مُعَرَّبًا، تحت ظل الخلافة، وسبق أن أشرنا إلى أن عبد الرحمن الناصر، حارب تمايز الكيانات العرقية التي كانت حقولًا خصبة لموجات الثورات على سلطة الدولة المركزية، حتى نجح هو في القضاء عليها
Art-and-Literature
مع ذلك، فإن ما أنجز من هذا المشروع العروبي، لم يتجاوز – على ما يبدو - بطون الكتب بعيدًا، بحيث يعيد صياغة المجتمع الأندلسي، إلى تمايزاته العرقية القبلية، بدليل أن المعتمد بن عباد في كتابه الذي يستنجد به يوسف بن تاشفين يحلل عوامل ضعف المجتمع الأندلسي، أمام تهديد ألفونسو أمراء الطوائف، مُرْجِعًا ذلك إلى ضعف العصبية القبلية، قائلًا: «إننا نحن العرب، في هذه الأندلس، قد تلفتْ قبائلنا، وتمَزَّقَ جَمْعُنا، وتغيرت أنسابنا، بقطْعِ المادة عنا من مَعيننا، فصرْنا شُعوبًا لا قبائل، وأشتاتًا لا قرابة ولا عشائر، فقلَّ ناصرنا، وكَثُرَ شامِتُنا، وتوالى علينا العدو المجرم اللعين إذفنش»
Art-and-Literature
يجدر التنبيه إلى أن هذا التحليل الاجتماعي السياسي الحربي المنبني على مفعول العصبية القبلية، إيجابًا وسلبًا، كان سابقًا بعدة قرون على طرح ابن خلدون في مقدمته التي يرى ضمنها أن تحلل الانتماء القبلي العربي، بدأ بالدول المشرقية، ثم انتقل إلى الأندلس، «ولم يكن لاطراح العرب أمر النسب، وإنما كان لاختصاصهم بالمواطن بعد الفتح، حتى عُرفوا بها، وصارت لهم علامات على النسب، يتميزون بها عند أمرائهم، ثم وقع الاختلاط في الحواضر مع العجم وغيرهم، وفسدت الأنساب بالجملة، وفقدت ثمرتها من العصبية، فاطُّرِحَتْ، ثم تلاشت القبائل ودثرت، فدثرت العصبية بدثورها»، فاختزلت الأندلس في «سلطان ورعية»
Art-and-Literature
هكذا بمجرد انهيار العصبية العاصمة للأفراد المنتسبين لها، وحين انفرط عقد الدولة الأموية، «لما فسدت عصبيتها من العرب، استولى ملوك الطوائف على أمرها، واقتسموا خطتها، وتنافسوا بينهم، وتوزعوا ممالك الدولة، وانْتَزَى كل واحد منهم على ما كان في ولايته
Art-and-Literature
عندما تضعضعت عصبية لمتونة «المرابطين» أفسحت المجال أيضًا لعصبية المصامدة «الموحدين»، لتتناسخ العصبيات هكذا بين القوة والتلاشي، بحسب رؤية ابن خلدون التاريخية الاجتماعية هذه
Art-and-Literature
لعل من المفارقات العجيبة أن يكون رائد هذا الابتكار الجميل هو أحمد بن سيده الذي عاش في عصر الطوائف، في بلاط مجاهد العامري، أهم مُنْبَثَقٍ لأدب النزعة الشعوبية في الأندلس، بحسب ما ألمحنا إليه سابقًا، خلال تناولنا رسالة أبي عامر بن غرسيه والردود عليها، مع أن ذلك العَجَب، يتلاشى إذا عُرف السبب، وهو أن هؤلاء الشعوبيين الأندلسيين، كان من بينهم سدنة للغة العربية، مثل ابن سيده نفسه، ومتضلعين من آدابها مثل ابن غرسيه أيضًا، وهو ما يفسر أن موضوع أرجوزة ابن سيده - في الأصل - لغوي، «تَخَيَّلَ فيه الناظمُ أنَّ ركْبًا من رجال المشرق قادهم الاغتراب نحو المغرب، وسئلوا عن أسمائهم، وآبائهم، وقبائلهم، وإخوانهم، وبلدانهم ومراكبهم، ومعادن قسيهم وسهامهم، وما يقتنصون من الوحش والطير، وما يأكلون منها، وما يهدون إلى أحبابهم، واسم حبيبة كل منهم، والبيت الذي يقال عند الإهداء، وما كانت تنشده هي في الجواب، كل ذلك بألفاظ مبدوءة بنفس الحرف الذي تداوله من حروف المعجم، كل رجل منهم في دوره»
Art-and-Literature
حتى لو كان الهدف الأصلي لهذا الفن لغويًّا، فإن في ذلك خدمة جُلَّى للهوية العربية، إذ اللغة هي جوهرها وروحها، إضافة إلى ما يتوسل به إلى هذا الهدف اللغوي التعليمي من حيثيات ثقافية وحضارية، تمثّل عناصر مهمة من تركيبة الهوية القومية العربية التي يعادي هؤلاء عرقيتها، ويخدمون ثقافتها، التي شغفتهم حبًّا
Art-and-Literature
مع أن هذه الأرجوزة لا تشم في أثنائها أي رائحة لمعاداة العرب ولا السخرية منهم، بل إنها تمجِّد أصولهم العرقية وعاداتهم التقليدية، «وقد حذا حذو ابن سيده في أرجوزته عدد من الأندلسيين، وأول من «عارضها» – فيما نعلم - هو المقرئ اللغوي أبو محمد عبد الرحيم بن عبد الجبار التجيبي الشمنتي، المولود في عام 498هـ/1105م والمتوفى في عام 590هـ/1194م، وجاء بعد هذا الشيخ الأديب
Art-and-Literature
إذا كان محمد بن شريفة قد تولى التأريخ لهذا الفن الأدبي في الأندلس وتونس والمغرب من القرن الخامس الهجري، بدءًا بعصر الطوائف، بالغًا ذروته خلال العصر الموحدي، ومنتهيًا بالعصرين المريني والنصري المتزامنين، فإنَّ دورنا يتحدد في تجاوز التأصيل إلى التأويل، حيث يتجلى أن سؤال الهوية العربية ظل يطرح نفسه بإلحاح في الأندلس، مهما تغير المكان، وتمادى الزمان، وتناسخ السكان، إذ يبدو أن عرب الأندلس، والغرب الإسلامي عمومًا، كانوا يستشعرون الغربة في محيط العجمة، المنتبذ مكانًا قصيًّا، من المشرق منبع العروبة الذي كان يواصل مدده البشري، عبر أفواج الفاتحين الأولين، وأمواج الراحلين من هناك إلى هنا، ومن هنا إلى هناك
Art-and-Literature
فحتى ابن سيده – على شعوبيته - يشارك المعتمد بن عباد في إحساسه الآنف الذكر، بانقطاع المدد العربي للأندلس من قبل المشرق، إلا أن ابن سيده يحاول وصل ما انقطع، جاسرًا الهوة بين الأصل والفرع، ولو على مستوى الخيال الأدبي:
Art-and-Literature
فنَحْنُ ركب منْ رجالِ المَشْرِقِ
Art-and-Literature
أكـــَــارِم الأنْفُسِ لُدّ المَنْطِقِ
Art-and-Literature
مالتْ بنا الأيــــامُ نحْوَ المَغْربِ
Art-and-Literature
مهْما يُشَرِّقْ كَوْكَبٌ نُغَرِّبِ
Art-and-Literature
إذا كانت النصوص الأندلسية المعارضة لابن سيده، لا تزال في عداد المفقود، فإن النص الموجود: «حضرة الارتياح» يواصل مساهمته في تشييد الجسر الواصل ما انفصل من الهوية العربية الأندلسية، مع تطاول القدم، ومجاورة العجم، فابن أبي حاتم العاملي (815هـ/1412م) يشير في مقدمة نصه هذا، إلى عراقة هذا الفن في الأدب الأندلسي، مفتتحًا بأن «ملكًا أعرابي النجار، أعجمي الجار، ولي الملك، ولم يكن من بَيْتِه، وانتقلَ عن حَيِّهِ في غير سبيل مَيْتِه، فاحتلَّ في جوار قوم أعاجم
Art-and-Literature
بعد تشخيص مأساة غربة الانتماء العربي في الأندلس، التي تُسْقِطُ صورة هذا الملك العربي الغريب «الوجه واليد واللسان»، على أغلب ملوك الأندلس، الذين قلما كان واحد منهم بمنجاة من محاورة العجمة هنا أو هناك
Art-and-Literature
تنتقل حبكة التشويق السردي، إلى البحث عن حل لهذه الأزمة، حيث «قال المتحدث: فلما طال على هذا الملك الأمد، واستحوذ عليه - لفراق المألوف، وثقل التكليف - الكمد، أمر بالتماس من في مملكته من وفد العرب، فامتثل ما به أمر»
Art-and-Literature
إن استقبال وافد العرب هو ترياق معضلة الهوية العربية المأزومة في أندلسها المحشورة بين الكفر والبحر، فما كاد صوت الوفد العربي يقدم نفسه:
Art-and-Literature
نحْنُ قوْمٌ منَ العَرَبْ
Art-and-Literature
مُنْتَهَى منْ لهُ أَدَبْ
Art-and-Literature
فَرَّقَتْــــــــــــنَا بلادُنا
Art-and-Literature
واجْتَمَعْنا على طَلَبْ
Art-and-Literature
قد حَذَوْنَا حُرُوفَنَا
Art-and-Literature
بحُرُوفٍ من الأدَبْ
Art-and-Literature
حتى تنفس الملك المغترب الصعداء، وصاح بالقوم: «لله دَرُّكم، فما أنفسَ دُرَّكُم، لقد أدركتمْ فيَّ مَواردَ لمْ يُفارقْنِي العَطشُ منذ فارَقْتُها، ولا وَجَدْتُ نشْرَها منذ فَقَدْتُها، فمَنِ القوْمُ؟ هاتوا من التعريف ما هو رشاد الضال، وفطر الصائم«
Art-and-Literature
ما دامت الرحلة بين المشرق والأندلس، قد تحول مدها إلى جزر - بعدما أصبحت الطرق غير سالكة، بفعل تفشي الفوضى في ممالك أفريقيا والأندلس والمغرب الأقصى - فقد صارت الرحلة الخيالية الأدبية - وحدها - هي المتاحة، فانبرى الأدباء الأندلسيون في تشييد وطنهم الكبير المستحيل من الكلمات، ونحت هويتهم المهزوزة بحروف الأبجدية العربية، عبر نسب الأدبيات، تعويضًا عن نسب الأعراق والجينات الذي أصبح مغشوشًا في بنك الدماء المتفاعلة الهُجْنَة في الأندلس، وهنا يقول شيخ الوفد العربي:
Art-and-Literature
«أيها الملك - علا كعْبُكَ، وغلبَ عِداكَ صَحْبُكَ - نحنُ فِتيةُ العَجَب، ليس منا إلا من نجب
Art-and-Literature
بهذا تقدم المقامة منهجيتها عبر التعريف بالهوية العربية المنشودة، من خلال لعبة الحروف والأسماء والأنساب والأخلاق، والأذواق، بحيث تصبح حروف الأبجدية العربية هي الشفرة الوراثية التي لا تكشف أسرار حروفها إلا لأمثال هؤلاء الأندلسيين المتعطشين لإشباع نهم الانتماء العربي، وتحقيقه في الأدب، وحتى إن تعذر في النسب
Art-and-Literature
إذا كانت بنية هذا الفن الأدبي الأندلسي القائمة على حروف المعجم العربي، تتيح لأبطال كل عمل تعاطي كثير من الأسماء العربية، بعدد هذه الحروف، وتتيح لهم - أيضًا - وفق عدد حروف العربية، الانتماء إلى 28 قبيلة من قبائل العرب الأقحاح، فإن هذه الأبجدية تبقى هي «أبو الجد» الحقيقي، الجامع مكونات المجتمع الأندلسي المختلفة، عربًا ومتعربين، حيث لا نسب يوحدهم أكثر من عشق الأدب العربي إبداعًا وتلقيًا
Art-and-Literature
يلاحَظ أن تغليب الانتماء إلى الأدب على الانتماء إلى النسب، قد ظهر في الأندلس مبكرًا، خصوصًا في فترة الطوائف التي واكبها حراك ثقافي وأدبي، جعل التفاعل بين الأدباء يستدعي إحساسهم بالانتماء الجماعي إلى طبقة متميزة داخل نسيج المجتمع، مع ما يكتنف ذلك من جو تنافسي على امتيازات البلاطات الطائفية، وما يقتضيه ذلك أيضًا من ضرورة الاعتصام ما أمكن بحبل الأدب، باعتباره حرمة وذمة، يجب أن تُرْعَى، مهما اختلف النسب، ومهما احتدمت المنافسة، وحتى الخصومة بين الأدباء، فأبو الأصبغ عبد العزيز بن محمد بن أرقم النميري الوادي آشي يردُّ على أحمد بن سيده في نقده له «إن الخلة، وشرط الأخوة والمروءة، أن يناضل بظهر الغيب، ويجامل ويناصب دون الباطل ويجادل، بحكم الأدب الذي هو أمس رحم، وأوكد نسب»
Art-and-Literature
من هنا أخذ ابن شهيد على مجاهد العامري، بعدما أصبح أمير دانية، تنكره لعلاقتهما أيام الدراسة والشباب، أيام: «تخلينا عن الأنساب، وانتسبنا إلى الآداب»
Art-and-Literature
يبدو أن حرمة الطلب والأدب كانت من أهم مَوَاتِّ الشعراء والأدباء، بعضهم لبعض، خلال هذه الفترة، فابن زيدون يذكّر أحد أصدقائه بما بينهما «من ذمام الطلب وحرمة الود والأدب» معتبرًا في مخاطبته لأبي عامر بن مسلمة بإشبيلية أن مودته لم يستدعها أحد بمثل أسبابه التي يُدْلِي بها، «من تداني الجدار، وتصافي السلف، والانتماء إلى أسرة الأدب»
Art-and-Literature
أجل إنها أسرة الأدب التي يجب - بحسب أبي بكر بن قزمان - أن يتعايش الأدباء في كنفها بسلام وتلاحم: «فكفى بالمثل المضروب، بفرحة الأديب بالأديب، وقولهم: الأدب بين أهله نسب»، ولهذا كان ابن بسام، والقاسم محمد بن عبد الله بن الجد (515/1121م) بينهما: «من ذمام الأدب، والتزام الطلب، سبب ونسب»
Art-and-Literature
إذا كان الأندلسيون يعتبرون آصرة الأدب بهذه الدرجة، وحتى لو اختلف النسب، فما بالك إذا اجتمعا معًا، فابن عبدون يخاطب أبا القاسم بن الجد: «فأنا أخطب إلى عمادي – أدام الله عزته - مودته عقيلة، واجعلُ رَحِمَيْ: الأدب والنسب وسيلة»
Art-and-Literature
فيجيبه ابن الجد، معقبًا بالقبول: « لا سيما وقد جمعتنا عناصر، وضمتنا من شيم الأدب والنسب أواصر»
Art-and-Literature
في ضوء هذه الرؤية، يشفع أبو عامر محمد بن التاكرني، وزير المنصور بن أبي عامر الأصغر في بلنسية، عند أحمد بن عباس الكاتب القرطبي (427هـ/1036م)، لمن «جمع إلى ذمام النسب، ذمام الأدب»
Art-and-Literature
يتبدَّى من خلال هذه الشذرات التي أثثنا بها تضاعيف هذا المبحث، أن فن «ما اسمك يا أخا العرب» قد وُجد في الأندلس استلهامًا لذهنية متجذرة في الرؤية الأندلسية، تعتبر العروبة انتماء وجدانيًّا حضاريًّا، والأدب نسبًا
Art-and-Literature
من هنا كان بناء مقطوعاتهم الشعرية العشر قائمًا – من حيث الشكل - على قواف، يحدد رويها اسم القبيلة أكثر من حرف الهجاء، لأن الكاتب لم يلتزم بمجموع حروف الألف باء العربية، إضافة إلى أنه – إمعانًا في تجريد العرب من أسرار البلاغة - جعل نفسه هوالمتكلم باسمهم، لأن المقام ليس مقام فخر بالانتماء العربي، يسمح فيه لكل من يمثل حرفًا وقبيلًا بأن يحوّل جميع حروف «الهجاء» إلى حروف مديح، كما درجت على ذلك نماذج هذا الفن في التراث الأندلسي، بل إن المقام مقام هجو، أعطى للحروف العشرة التي بنى عليها مقطوعاته صفة الهجاء حقيقة وحكمًا
Art-and-Literature
زد على ذلك أن طرفة الظريف لم تتمَحَّضْ لـ «ما اسمك يا أخا العرب»، بل تطرقت إلى حيثيات أخرى، كلها هجاء مُرٌّ للجزيرة الخضراء، وطريف، سكانًا ومناخًا وتضاريس وعادات وتقاليد وأزياء وعقائد ولهجات
Art-and-Literature
كأن صاحب طرفة الظريف يريد أن يقلب مسلمة أدباء الأندلس، القائلة بعروبة بر عدوتهم، وبربربة العدوة المغربية، ليجعل الأندلسيين مستعجمين، والبربر مستعربين، إلا أنه لم ينتبه إلى أن هذه المعادلة - وحتى لو صحت - يبقى الفخر فيها للأندلس، لأن أبناءها هم حملة التعريب إلى العدوة الأخرى، وإذا نوزعت الأندلس في ذلك، فإن الفضل في هذا يبقى للعرب الذين بصموا جميع عناصر مجتمعي العدوتين بطابع العروبة، وهو ما يحكم لهم برجحان كفتهم في ميزان المفاضلة بالقسط في هذا الميدان
Art-and-Literature
خلاصة هذا الفصل - بمباحثه الأربعة - أنه قد أثرى الخطاب العرقي بمصطلحات، كنا نظن أن بعضها مستحدثات عصرية، مثل: «القومية» و«الجنسية» و«العروبية»، ولعلنا أول من تنبه إلى خضرمة هذه التسميات، إضافة إلى وحدات هذا المعجم الإثني المألوفة، من شعوبية وعصبية وحمية وعجمية وكسروية
Art-and-Literature
تروج في هذا العصر مسكوكات إعلامية، تُتَعَاطَى بشكل مكثف، مثل: «حوار الحضارات» المرجوع بصدامها، ومثل «حوار الأديان» الذي يكتنفه شجارها، بصورة مستمرة، إضافة إلى «تحالف الحضارات» المغشوش بسعيها الدؤوب إلى التفكك والانهيار، بفعل هيمنة المصالح الإقليمية على المصالح العالمية، وتغلب سلطان الآلة الرعناء على منطق العقل والحكمة
Art-and-Literature