Datasets:

dru-ac
/

ArTopicDS-Books

Dataset card Data Studio Files Files and versions Community

Split (1)

train · 21.2k rows

text stringlengths 1 2.38k	en_topic stringclasses 10 values
فلم يقرع سمع ابن من أبناء خاصتنا عند ميلاده، ولا خامر طبع الرضيع منهم في مهده، إلا كلام أمة وكعاء، أعجمية خرقاء، ولا ارتضع إلا ثديها	Art-and-Literature
هذا النص الطافح بالشكوى، المُشَخِّصُ بدقة للبيئة اللغوية الأعجمية الفاسدة التي ينشأ فيها أبناء خاصة الأندلس وعامتهم، من طور الطفولة إلى الرجولة، يقابل - تمامًا - الشكوى الفارطة للراهب القرطبي ألفرو من هيمنة التعريب على أبناء النصارى الإسبان في الأندلس	Art-and-Literature
إن دارسي هذه الظاهرة يكتفون بأقوال المؤرخين فيها، من دون أن يلامسوا النصوص الإبداعية ويستنطقوها بشأن الموضوع، كما فعلتُ هنا، على الرغم من أن هذه النصوص لديها ما تبوح به، من شهادات حية حول اصطراع الازدواجية اللغوية في الهوية الأندلسية بين التعجيم والتعريب، ولا سيما في مناطق الثغور، الأكثر التصاقًا واحتكاكًا بين الشعبين والملتين واللغتين	Art-and-Literature
هنا يستغرب ابن بسام من ابن عمار عندما «عابَ على أهل سرقسطة، وأنكر من هيئات الثغور ما عرف»، «وما ينقضي عجبي من ابن عمار، أن ينكر تلك الهيئة على أهل ثغر، أبناء قتلى وبقايا أسر، قلّما خلوا من هيعة من النصارى، إذ مسافة ما بينهم أقصر من إبهام الحبارى، وبلدهم مجر عواليهم، وموقد صاليهم، ومخفق أعلامهم، ودرية سهامهم»	Art-and-Literature
هكذا كان أبو الطاهر السرقسطي أحد أبناء هذه الثغور الذين عزفوا على وتر العروبة والعجمة، فهو عربي، مُعتزٌّ بعروبته، ومقيم على حدود الدولة الإسبانية، الباسطة يدها الباطشة لاستلاب الدولة العربية الإسلامية في الأندلس بلادها مدينة مدينة، ومن ضمنها سرقسطة: مسقط رأسه، وهو لذلك يصيح - معطيًا الهوية بُعدًا عقديًّا - :	Art-and-Literature
يا ما أذلَّ العُرْبَ بين العجْمِ!	Art-and-Literature
وقد رَمَوْهمْ بالأذَى والرجْمِ	Art-and-Literature
إيَّاكَ عبْدَ الله عَبْدَ النجْمِ	Art-and-Literature
والنَّفْس فاقدعْها بِمِثْلِ اللُّجْمِ	Art-and-Literature
إذا رجعنا قليلًا إلى الوراء نجد أن أبا الأصبع بن أرقم، وأبا المطرف بن مثنى - الكاتبين السابقين، عن إشكالية الإبداع البياني في ظل العجمة الزاحفة - هما أيضًا من كتَّاب هذه الثغور، فـالأول يكتب عن إقبال الدولة علي بن مجاهد العامري (ت 474/1018م)، أمير دانية: الثغر الأدنى، والثاني، من كُتَّاب المأمون بن ذي النون أمير طليطلة: الثغر الأوسط، وحتى أبو الطاهر من سرقسطة: الثغر الأعلى	Art-and-Literature
هذا مع أن ابن بسام يوظف مصاقبة الأندلس لبلاد الروم، في أن «حصاة من هذه حاله ثبير، وثمده بحر مسجور»	Art-and-Literature
خلاصة هذا المد والجزر بين اللغتين والهويتين أن العروبة ظلت منتصرة على العجمة في هذه الأصقاع النائية، حيث «إن العربية الفصحى كانت دائمًا في المحل الأول، فكانت لغة العلم والأدب العالي، كما كانت لغة الرسميات، وكل ما هو جاد من أمور الدولة	Art-and-Literature
أمّا العامية العربية فكانت تلي تلك الفصحى في المنزلة، وذلك لاستنادها إلى الفصحى، وتفرعها عنها، وقربها منها	Art-and-Literature
أمّا تلك العامية اللاتينية فكانت في المحل الأخير بطبيعة الحال، وكانت تحيا - أساسًا - بين المستعربين، باعتبارها لغتهم الأصلية، أمّا غيرهم فكانوا يعرفونها من معاشرتهم لهؤلاء»	Art-and-Literature
أكد الأمير شكيب أرسلان، في الجزء الثاني، من كتاب حاضر العالم الإسلامي «أن الإسبان أنفسهم كانوا يكتبون صكوكهم ومعاملاتهم باللغة العربية، التي ظلت لغة الثقافة عندهم، إلى ما بعد الجلاء العربي عن الأندلس بخمسمائة عام»	Art-and-Literature
لن تستطيع نظرية «ربيرا» أن تجتثَّ اللغة العربية من الكيان الأندلسي، وحتى الإسباني المسيحي، مهما حاولت أن تجفف مورثات العرب في دماء أجيال المولدين المتلاحقة	Art-and-Literature
تُعتبر هذه الثنائية تنويعًا لسابقتها وتخصيصًا لعمومها، لأن تلك كانت تركز على تفاعل العرب مع العجم خارجيًّا، بينما هذه ستركز على التفاعل الداخلي بين هذين المكوّنين الأكثر تلاحمًا، لاشتراكهما في العقيدة والوطن والثقافة، وحتى الأعراق؛ فاسم المُوَلّدِينَ يكاد يختزل حقيقة معظم الشعب الأندلسي المتوالد أجيالًا بعد أجيال، من بين أصلاب وترائب جميع الشعوب الوافدة على الأندلس، وسكانها الأصليين، عبر سيرورة التاريخ الإسلامي هناك	Art-and-Literature
لعل أول نفثة شعرية معروفة تنفح بروح المفاخرات القبَلِيَّة هذه، هي أبيات أبي الخطار الكلبي: الحسام بن ضرار، والي الأندلس (ت 130هـ/748م)، الموجهة إلى الخلافة الأموية، حين تتابعت توليتهم للقيسيين في أفريقيا والأندلس، مذكّرًا إياهم بحسن بلاء اليمنيين معهم في قيام تلك الدولة بالمشرق:	Art-and-Literature
كأنكمُ لمْ تَشْهَدُوا مَرْجَ راهِطٍ	Art-and-Literature
ولمْ تعْلموا منْ كانَ ثَمَّ له الفضْلُ	Art-and-Literature
الفضل هنا طبعًا هو فضل عسكري، قبل أي شيء آخر، لأن أبا الخطار كان يلقَّب بـ «عنترة الأندلس» لفروسيته المشهورة، وهذا ما يُسَوِّغُ نفثة أخرى له، لا تخرج عن التفاضل في أخذ الثأر، ولو من إخوة الدم والدين:	Art-and-Literature
فليْتَ ابنَ جوَّاسٍ يُخَبَّرُ أنَّنِي	Art-and-Literature
سَعَيْتُ به سَعْيَ امْرئٍ غيرِ غافِلِ	Art-and-Literature
قَتَلْتُ به تِسْعِينَ تَحْسبُ أنَّهمْ	Art-and-Literature
جُذوعُ نَخيلٍ صُرِّعَتْ في المَسائلِ	Art-and-Literature
إذا كان هذا النَّفَس الفخري يمنيًّا، فإن رجْعَ صَداهُ المُضَرِيِّ لم يتأخر، على لسان الصميل بن حاتم الكلابي (ت 142هـ/759م)، غريم أبي الخطار:	Art-and-Literature
هكذا تبدوالأصداء الأدبية الباقية من تلك المفاخرات العربية بين اليمنيين والمضريين خافتة وشحيحة، نظرًا إلى ما غَطَّى عليها من زَبَدِ الحوادث الدامية بلا طائل، ولكن العرب لم يطل بهم الأمد في الأندلس حتى وجدوا أنفسهم - أمام شعوبية المولدين، وثوراتهم - مضطرين إلى توحيد جذميهم: المضري والقحطاني، إذ إن المولدين كانوا هم القوة النامية والمتنامية هناك، باعتبارهم نتاج تلاقح الأعراق في هذه الدولة الأندلسية، وباعتبارهم عصب الحياة فيها معرفيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، ومع ذلك كانوا يستشعرون بأن العنصر العربي - أساسًا - يهيمن على البلاد، ويستحوذ على مواقع النفوذ، بلا حق، وما دام هؤلاء المَوَلَّدُون هم خلاصة مكوِّنات الشعب الأندلسي الأصلية الوافدة، وما داموا يشتركون مع العرب في الدين والوطن والثقافة، وحتى في العرق أيضًا، فمن هنا بدأت العصبية تقارع العصبية على العموم، وبين هذين المكوّنين خصوصًا، إذ أصبح المولدون ينازعون العرب في البلاغة أخص مميزاتهم، إلى درجة منافستهم فيها، فهذا خالد بن زيد مولى يوسف الفهري، وهو إسباني الأصل، قد اكتسب العروبة، وتضلَّع بأساليبها حتى أصبح يباهي أقطاب عبد شمس من بني مروان، حيث نجده عندما جاء إلى عبد الرحمن الداخل، حاملًا إليه كتاب يوسف بن عبد الرحمن الفهري، آخر ولاة الأندلس (ت 142هـ/759م) وكان من إنشائه، قال لعبد الله بن عثمان المرواني، متباهيًا: «ليعرقن إبطك قبل أن تحير فيه جوابًا»	Art-and-Literature
كان رد الأموي قاسيًا، لأنه طُعِنَ في صميم عروبته القرشية، فسدد لخالد بن زيد صفعة على وجهه، وشتيمة في نسبه: «ابن الخبيثة العلج»، ثم سجنه	Art-and-Literature
ينضاف إلى هذا التعامل السيئ موقف الصميل بن حاتم من تفسير الآية الكريمة }وتلك الأيام نداولها بين الناس{، إذ لم يستسغ أن يتناوب أو يتشارك من يراهم سادة وأراذل في الأمر، وهو على كل حال فارس أمِّيٌّ، بَدَوِيٌّ، ومهما يكن فإن العرب، كما ألمحنا سابقًا، كانوا - على الرغم من كل ما يوصفون به من عنجهية - يقدِّمون من قدَّمَه عِلمه، ويحترمون الكفاءات، من دون مراعاة للفوارق العرقية أو الطبقية، حتى إن الأمير محمد ابن عبد الرحمن (ت273/886م) ولَّى عمر بن عبد الله بن ليث، الملقَّب بالقبعة، قضاء الجماعة للخلفاء، وكان مَوْلًى «فشقَّ ذلك على العرب، وتكلَّمُوا فيه، فبلغَ ذلك الأميرَ محمد رحمه الله، فقال: وجدت فيه ما لم أجد فيهم»	Art-and-Literature
موقف حُكَّام الأندلس من تقديم الكفاءات معروف، بحسب شهادات ابن الربيب القيرواني والشقندي السابقة، ولكن ريح العصبية هذه لم يسلم منها حتى العلماء الذين كان كثير منهم من المولدين المتشبعين جدًا بالثقافة العربية والدينية؛ فهذا عبد الله بن عمر بن الخطاب (من أهل إشبيلية) الذي تسمى بهذه الأسماء الدالة، «كان من مسلمة الذمة، فملأ إشبيلية علمًا وبلاغة ولسانًا، حتى شرفت به العرب، فلما حدثت النايرة بينها وبين الموالي قتل يومئذ، وذلك سنة 276هـ/889م»	Art-and-Literature
حتى القضاة المتنفذون في الدولة، والمبجَّلون من طرف أمراء بني أمية، لم يكونوا بمنجاة من العصبية للمولدين، لأن التعصب مرض نفسي متعدد الأسباب ومعقدها، ولا يمكن تفسيره هنا بعنجهية العرب، أو هيمنتهم على مقاليد الأمور، على الرغم من أنهم أقلية، فهذه أسباب مشروعة وعناوين مرفوعة، ولكن هناك أسباب أعمق، فهذا عبد الله بن الحسين ابن السندي، بعدما رحل إلى المشرق «انصرف إلى بلده، فكان عظيم الوجاهة فيه، واسْتَقْضَاهُ أمير المؤمنين عبد الرحمن بن محمد - الناصر - رحمه الله على وَشْقة وما والاها، وهو يقرأ عليه ويسمع منه»، ومع ذلك «كان منسوبًا إلى الكِبْر، مْزْهُوًّا، شديد العصبية للمولدين	Art-and-Literature
كذلك محمد بن سليمان المعافري - بعد ما رحل، وسمِعَ من سحنون: عبد السلام بن سعد، الفقيه المالكي القيرواني (ت 240/854م) - «كان مُفْتِي أهل موضِعه، وإليه كانت الرحلة في وقته	Art-and-Literature
يبقى التأثير الخارجي لمسيحيي الشمال، المتربصين بالأندلس رَيْب المَنون، أحد العوامل الأساسية لهذه النزعة الشعوبية لدى المولدين، بدليل أن مراكز ثوراتهم كانت غالبًا هي مناطق الثغور، ونقاط الاحتكاك مع النصارى	Art-and-Literature
إلا أن هذا العامل لم يتجل بشكل سافر إلا بعد تحول شعوبية المولدين من إحساس نفسي، ينزلق أحيانًا في تعبيرات طائشة، إلى ثورات مسلحة مستمرة، لم تعلن نفسها إلا ابتداء من عهد الحكم بن هشام، (ت 206هـ/821م)، إذ تعتبر ثورة الربض ثورة مُوَلِّدِيَّة، ولا يتنافى ذلك مع تزعم الفقهاء لها، لأن أغلبيتهم من هذا العنصر الذي كان له حضور كبير في قرطبة يومها، ومع ذلك كان يستشعر الغبن في حقوقه العامة	Art-and-Literature
على الرغم من استمرار ثورات المولدين ذات الخلفية الشعوبية الواضحة، مثل ثورات عبد الرحمن الجليقي، وبني موسى (بني قسي) وبني عمروس، وبني الطويل	Art-and-Literature
كان لسعيد بن جودي مشاركة في هذه النقائض، وكان أبرز شعراء النقائض من المولدين الشاعر المعروف بالعبدلي، وأبرز شعراء العرب في مواجهتهم الأسدي	Art-and-Literature
لئن ضاع ذلك الشعر إلا النتف هنا وهناك، لقد دَلَّ على غليان الحماسة، وعلى جدية الخلاف، وعلى استرسال المولدين في العداء»	Art-and-Literature
هذا يعني أن للحروف حصادها، مثل ما للسيوف، وأن المعارك أيًّا كان نوعها لا تستغني عن السلاحين، ولا سيما إذا كان أحد الطرفين عربيًّا يتنفس الشعر سليقة، والطرف الآخر متعربًّا بلغ في تعربه درجة تؤهله لمنازلة العرب بالسيف وبالشعر، أرقى وأخطر أسلحتها	Art-and-Literature
من الطريف – في هذا السياق - أن المولدين لم يكتفوا - في معمعان المعركة - برمي العرب بالسهام وغيرها من الأسلحة المألوفة، بل رموهم بقذيفة شعرية، كانوا يعرفون أن وقعها عليهم أشد من أي سلاح، حيث يؤرِّخ ابن حيان الأندلسي لمُنْطلقَ المعركتين الحربية والأدبية، حاكيًا عن أبي رجاء عثمان بن سعيد، أحد مشيخة عرب غرناطة، يومئذ:	Art-and-Literature
«أنه لما وقع التمايز بينهم وبين أهل الحاضرة، وأزروا إلى حصْن غرناطة، وسُورُهُ مَثْلومٌ، وضَعُوا أيديهم في بنيانه وسد ثَلمِه، وقد باكرهم أضدادهم المولدون من أهل الحاضرة بالمنازلة، فكانوا يقاتلونهم بالنهار، ويبنون سورهم بالليل بالشمع، فبينا هم كذلك إذ رموا في بعض الليل بطاقة فيها أبيات من الشعر قالها العبلي شاعر إلبيرة، المُحامي عن المولدين، واسمه عبد الرحمن - أو عبد الله - بن أحمد، نسب إلى قرية عبلة التي منها أصله، وهي:	Art-and-Literature
مَنَازِلُهمْ مِنْهُمْ قِفَارٌ بَلاقِعُ	Art-and-Literature
تُجَارِي السَّفَا فيها الرِّياحُ الزَّعَازعُ	Art-and-Literature
وفِي القَلْعَةِ الحَمْراءِ تدْبيرُ زيْفِهمْ	Art-and-Literature
ومنها عليْهمْ تسْتديرُ الوقائعُ	Art-and-Literature
كما جدّدَتْ أباؤُهمْ في خِلالها	Art-and-Literature
أسَنَّتُنا والمُرْهَفاتُ القواطِعُ	Art-and-Literature
قال أبو رجاء عثمان بن سعيد: فاشْتَدَّ ذُعْرُنا لهذه الأبْيَات، حتى لو أحاطت بنا عساكر أهل الأرض ما وجدنا مزيدًا من الذعر، ووقع منها موقع الهواتف بالنُّذُر	Art-and-Literature
مَنازلُنا مَعْمُورَةٌ لا بَلاقِعُ	Art-and-Literature
وقلْعَتُنَا حِصْنٌ من الضَّيْمِ مَانِعُ	Art-and-Literature
وفيها لنا عِزٌّ وتدْبيرُ نُصْرَةٍ	Art-and-Literature
ومنها عليكمْ تَسْتَتِبُّ الوَقائِعُ	Art-and-Literature
حكى أنه عملهما في الليل، ثم أجبل وارتج عليه، فكأنه ما قال شعرًا قط، وظل مطرقًا حتى سمع هاتفًا يقول له، يسمع الصوت ولا يرى شخصه: قل:	Art-and-Literature
ألا فأذَنُوا منَّا قريبًا بِوَقْعَةٍ	Art-and-Literature
تَشيبُ لها وِلْدَانُكمْ والمَراضِعُ	Art-and-Literature
قال فحفظتُ البيتَ واستبشرتُ به، ونهضتُ إلى أضحى بن عبد اللطيف الهمداني وكان خاصتي من المشيخة، فأنْبَأتُه بما سَمِعْتُه، فقال: أبْشِرْ يا ابن أخِي فما أحْسَبُه إلا هاتفَ صدق في هؤلاء الأخابيث، فإنهم بغوْا علينا، وقد وَعَدَ الله من بُغِي عليه النصْر، فاتفق أنْ كانت للعرب عليهم - إلى سبعة أيام - الوقيعةُ المشهورة التي هلكَ فيها منهم سبعة عشر ألفًا»	Art-and-Literature
تتجلى أهمية هذا النص في ما يكتنزه من دلالات أكثر قيمة من الشعرين في حد ذاتهما، حيث يؤسِّس لرَهَبُوت سلاح الشعْر بين المولَّدين والعرب الذين يشتركون في مباراة تفاضلية مفتوحة في قرض الشعر، توازي مبارزات الفرسان في الميدان، حيث يتواجه شاعر المولدين وشاعر العرب، مدفوعين بعصبيتهما، كل منهما يحرض قومه، وكل منهما يحرضه قومه، ويتشبع النص بروح ملحمي أسطوري يندس ضمنه، يتمثّل في هالة الرهبة التي أعطاها الراوي لوقع أبيات العبلي الثلاثة، حيث رجم بها القوم ليلًا، قذيفة سحرية أخذها المتلقون العرب مأخذ النذير، حتى تزعزعتْ أمامها عبقريةُ شاعرهم الأسدي، لولا تدخل الهاتف الشعري ببيت مَثَّلَ البشارة التي تتصدى لنذارة شاعر المولدين، وعلى هذا المنحى قرأ الشيخ الهمداني بيت الهاتف، مؤسسًا قراءته على دعوى أن العرب معتدى عليهم، والمولدين معتدون و«البغي مصرعه وخيم»	Art-and-Literature
هذه الدعوى تؤيدها روايات المؤرخين الأقرب عهدًا بتلك الوقائع، إذ يقول الشاعر عبادة بن ماء السماء عن أول قواد الدعوة، التي انبثقت ردَّة فعل طبيعيًّا على شعوبية المولدين: «ثار يحيى بن صقالة القيسي بدعوة العرب، الذين بغت عليهم العجم والمولدون»	Art-and-Literature
يقول ابن حزم خلال تناوله بني محارب، متحدثًا عن ثاني قواد هذه الدعوة العربية: «ومنهم سوار بن حمدون بن يحيى الإلبيري، القائم بدعوة العرب بالأندلس، إذ قام عليهم المولدون«	Art-and-Literature
هكذا يبدو أن هذه المواجهة كانت بالنسبة إلى العرب ضرورة، يقتضيها الدفاع عن النفس، فـ «لولا أنْ منَّ الله على العرب بسوار ونصْرِه، لما أبْقى العجم والمُوَلَّدُون منهم أحدًا»	Art-and-Literature
إن إشراك العجم هنا مع المولدين - في هذا النص - يعني أن مسار المواجهة أخذ منحى تحزبيًّا، وذلك ما يؤكده ابن حيان القرطبي، حين يصف واقع العصبية المتأزم يومها:	Art-and-Literature
«اشْرَأبَّتْ نفوس الناس إلى فتنة، وتفاقم في هذا الوقت ما بين العرب والمولدين والعجم، واستعملوا العصبية، وتميزت أحزابهم بعضهم إلى بعض بكل جهة، فعادوا في الجاهلية، وتسافكوا الدماء، ودانوا بالاستباحة، وتحزبت المسالمة مع المولدين، وتميزت إليهم نصارى الذمة، فصار جميعهم إلْبًا على العرب، قائمين بدعوة ابن حفصون، نارًا تأججت وسعيرًا، حاشى الثغور فإن أهلها تحاموا هذه النحلة، ومضوا وأكثرهم على طاعة السلطان»	Art-and-Literature
مقابل حزب المولدين ومن لف لفهم، نبذ العرب ثنائية المضري واليمني وشكلوا حزبهم الموحد؛ فبعدما ثار سوار بن حمدون في عام 276هـ/889م بناحية البراجلة من كور إلبيرة، «انضوت إليه بيوتات العرب، من كورة إلبيرة وجيان ورية وغيرها، عندما تمَيَّزَت الأحزاب بالعصبية، وشبُّوا نار الفتنة	Art-and-Literature
سجّل سعيد بن جودي هذه الوحدة العربية التي أمْلَتْها ضرورةُ التصَدِّي لخطر الشعوبية الداهم، وخصوصًا مع استشعار غربة العرب في هذا المحيط العجمي، الذي يمثّلون فيه أقلية، فقال:	Art-and-Literature
يا أيها العَرَبُ النائِي مَحَلَّتُهمْ	Art-and-Literature
أنتمْ نيامٌ ومن يشْناكمُ سهرُ	Art-and-Literature
ما عَيْشُ عَدْنَانَ دونَ الحَيِّ منْ يَمَنٍ	Art-and-Literature
أو عيْشُ ذي يَمَنٍ قدْ خانَها مُضَرُ	Art-and-Literature
هكذا استلم الشاعر سعيد بن جودي راية الدعوى العربية، من يدي سوار بن حمدون يوم غدر به المولدون ضيفًا عندهم (277/890م)، نكثًا بعهود ومواثيق عقدوها معه، بعدما أمضَّتْهم نارُ جِلاَدِه، فكان سعيد فارسًا مغوارًا، وشاعرًا مفلقًا، وخطيبًا مصقعًا، تلبس صليل سيوفه برنين حروفه	Art-and-Literature
هِجْتُمُ يا بني العُبُود لُيُوثًا	Art-and-Literature
لمْ يكونوا عنْ ثَأرِهمْ بقُعُودِ	Art-and-Literature
جاءكمْ ماجدٌ يقودُ إليْكمْ	Art-and-Literature
فِتْيَةً منهمُ كمثلِ الأسُودِ	Art-and-Literature
قدْ قَتَلْنَا منكمْ ألُوفًا فمَا يَعْـ	Art-and-Literature
دلُ قتلَ الكريم قتلُ العبيد	Art-and-Literature
كان فيه التُّقَى مَعَ الحُلْمِ والْـ	Art-and-Literature
باسِ وجود ما مِثْله من جُودِ	Art-and-Literature
باقي شعره لا يخرج عن هذه الأبعاد المذكورة أعلاه، إضافة إلى أنه كان يصبغ حربه العربية ضد المولدين بصبغة دينية، باعتبار هؤلاء معتدين وأولئك معتدى عليهم، فسَلَفُه سوار:	Art-and-Literature
به قَتَلَ اللهُ الذينَ تَحَزَّبُوا	Art-and-Literature
عليْنا وكانوا أهْلَ إفْكٍ وباطلِ	Art-and-Literature
حتى عصبيتهم العربية ليست - في نظره - حمية جاهلية، وإنما هي حمية دينية، فسوار قائد العرب:	Art-and-Literature
أرُومَتُه منْ خَيْرِ قَيْسٍ سَمَا بهِ	Art-and-Literature
إلى المَجْدِ قِدْمًا والعُلا كُلُّ فاضلِ	Art-and-Literature
لهُ سَوْرَةٌ قَيْسِيَّةٍ عَرَبِيَّةٌ	Art-and-Literature
بها ذادَ عنْ دِينِ الهُدَى كلَّ جاهلِ	Art-and-Literature
لعل مَرَد إضفاء الشرعية الدينية على هذه الحروب العربية ضد المولدين، هو ارتداد بعض قادتهم عن الإسلام، مثل عمر بن حفصون الذي أعلن تنصره (286هـ/899م)، وتسمّى صمويل، بعدما تحالف مع محمد بن لب زعيم بني قسي في الثغر الأعلى في عام 285/898م، هذا بالإضافة إلى تحالف عبد الرحمن الجليقي مع ألفونسو الثالث ملك إليون، وترويجه مذهبًا دينيًا جديدًا، خليطًا من تعاليم الإسلام والنصرانية	Art-and-Literature
من خلال هذه التوطئة يتجلى خطأ بعض الاستنتاجات التي توصل إليها المستشرق: غولدتسيهر في بحثه عن الشعوبية عند مسلمي إسبانيا، حين رأى، بحسب ما نشره عبد السلام هارون، «أنه لم يُتَحْ للنزعة الشعوبية الأندلسية أن تعلن في إنتاج أدبي إلا بعد أن انقسمت الدولة إلى دويلات صغيرة، تناهبَ الحكمَ فيها صقالبة ومولدون، فنسمع حينئذ من أبي عامر بن غرسيه صوتًا يحاول إثبات فضل العجم على العرب	Art-and-Literature
هذا الزعم مردود بوجود العبلي شاعر المولدين الذي رفع صوته عاليًا بهذه الدعوة والدعوى قبل ابن غرسيه بحوالى قرنين من الزمن، وفي ذلك أيضًا سَحْبٌ للبساط من تحت ترجيحه أن يكون كتاب الاستظهار والمغالبة على من أنكر فضل الصقالبة «أول محاولة للكتابة في دائرة الشعوبية»	Art-and-Literature
كان عبد السلام هارون وغيره ممن تعرَّضُوا لهذا الموضوع أوْلَى مِنِّي بالتَّنَبُّهِ لهذه الملحوظات، والتَّنْبِيه عليها	Art-and-Literature
مهما يكن، فإن المفاصل التي رسمتها رسالة ابن غرسيه في منحنى حركة الشعوبية في الأندلس، والتي كانت في نظري أجدر بالملاحظة، هي أن رسالة ابن غرسيه وردود العرب عليها مَثَّلتْ تحولًا جذريًّا من شعوبية السيوف إلى شعوبية الحروف، حيث أراقت هذه الرسالة كثيرًا من الحبر، عبر أكثر من قرن، ولكنها لم تُرق قطرةَ دَمٍ واحدة، وهو ما يعني نضج ذهنية الحوار الحضاري، وارتقاء المفاضلات إلى الأفق الفكري الأدبي المتسامي على الدمار العصبي الحربي	Art-and-Literature
هكذا لم يرِد اسم المولدين ولو مرة واحدة داخل هذه الرسالة، ولا في الردود عليها، وإنما قدّم ابن غرسيه نفسه، وأميره مجاهد العامري، صاحب دانية باسم الموالي، قائلًا: «نحن معشر الموالي، لا نوالي إلا من هو لعظيمنا موال»	Art-and-Literature
مع اعترافه بانتمائه وسيده للموالي، فإنه يقلب الآية، جاعلًا العرب «بني هاجر» عبيدهم وأرقاءهم الذين مَنُّوا عليهم بالعتق، معيِّرهم بـ «بني الإماء»	Art-and-Literature
كان من الطبيعي أن تفرض هذه الرسالة على الردود الخضوع لمنهجيتها، حيث حَلَّقَ الجميعُ مع ابن غرسيه في أجواء الماضي السحيق، مفاضلين بين العرب والعجم هنالك، في المشرق البعيد، ولم يلامسوا الراهن الأندلسي، ويُحيِّنوه في خطابهم، إلا في مواقع قليلة، مثل الإلماع إلى تنشئة ابن غرسيه على يد عرب الأندلس، والإشارة إلى فتحهم الأندلس، بعد الاستحواذ على إمبراطوريتيْ الروم والفرس، حيث «ساروا قدمًا يذبحون البر ذبحًا، ويسبحون البحر سبحًا، حتى طرقكم طارقهم في هذا الطرف	Art-and-Literature
بالإضافة إلى اتهام ابن غرسيه بالردة عن ملّة الإسلام، مهما حاول التمويه بتمجيد النبي عليه ومؤاخذة ولاة زمنه، «الهمج الهامج» على إهمال عقوبته	Art-and-Literature
على الرغم من تَشَعُّبِ مَساراتِ هذه المُفاضلات العِرْقِية - ما بين الأنساب والأحساب والعادات والأزياء والأذواق، والمِلل والنِّحل، ممّا لا يتسع المقام لاستقصائه بالتفصيل والتحليل، فإن ما يسترعي الانتباه فيها هو أنها منازلة أدبية، يقودها أعجمي أندلسي مع العرب، بلسانهم وبيانهم اللذين تضلع منهما وانطبع، بما جعل نفسه (الأمَّارة بالسوء)، تُطَوِّع له أن ينقل المعركة في الأندلس من قعقعة السيوف إلى صرير الحروف، ولا غرو في ذلك ما دام التعريب في الأندلس قد بصم - بسرعة – جميع مكونات شعبها، حتى الذين لم يستسلموا عقديًّا تسمّوا بالمستعربين فكريًّا وثقافيًّا، بل فاض فيها التعريب خارج حدودها، منسابًا في الممالك النصرانية المجاورة، فما بالك بأبناء المسلمين من الشعب الأندلسي؟ ولعل من المفارقات الطريفة في هذا الصدد أن أكابر شُعُوبيي الأندلس هم - في الوقت ذاته – أفضل سَدَنَةِ العربية وخدمتها، ومثال ذلك ابن سِيدَهْ المُشار إليه آنفًا، فـ «لا يُعْلَمُ بالأندلس أشد اعتناءً من هذا الرجل باللغة ولا أعظم تواليف»	Art-and-Literature
وهو في ضوء هذا يقول:	Art-and-Literature
إنَّ أصْلِي كما عَلِمْتَ ولكـ	Art-and-Literature
نّ لِسانِي أعَزُّ منْ سَحْبَانِ	Art-and-Literature
هكذا تتأطَّر رسالته والردود عليها في صلب أدبية المفاضلات، على الرغم من احتدام نزعتيها: الشعوبية العجمية والقومية العربية، فكانت أغلب الردود على ابن غرسيه تستنكر عليه أن يطاول العرب في عروبة اللسان، ويصاولها بسلاح البيان، معتبرة أن في ذلك كفرانًا لمنّة تثقيفه وتعريبه على يديها، حيث يقرّعه ابن منّ الله القرَوي: «ألم تربك فينا - (كذا!) - وليدًا؟ ألم تتخذك لها تليدًا؟ ألم تعتن بتخريجك وتدريجك؟ أما أنطقتكَ بعد العجمة، أما أسلقتكَ عقب اللكنة؟ حتى إذا اشْتَدَّ كاهِلُكَ، وقَوِيَ ساعِدُكَ، أخذتَ تُطاوِلُها بأرْسانها، وتُقاولُها بلِسانِها، وتُناضِلُها بسِهامِها، وتُهاطِلُها بِرِهامِها	Art-and-Literature
أعلمه الرماية كل يوم	Art-and-Literature
فلما اشتد ساعده رماني»	Art-and-Literature

Subsets and Splits

No community queries yet

The top public SQL queries from the community will appear here once available.