text
stringlengths 1
2.38k
| en_topic
stringclasses 10
values |
---|---|
أخيرًا انتهت رباعية فصول هذا القسم بـ «رمزية المُفاضلات: لعبة المُظهَر والمُضمَر» التي تأسَّست على البُعد الرمزي للمُفاضلات في الأدب الأندلسي، وهو بُعد حام حوله عدد من الدارسين، إلا أنهم لم يُوفوه حقه، بل مَرُّوا به عابرين، على الرغم من أنه جدير بوقفة متأنية تكثِّف تلك الومضات وتعيد بناء الملاحظات، تاركة لفعالية التأويل حرية تتيح لها الانخراط مع النصوص في لعبة جدل الظاهر والباطن، وتلك هي وظيفة الباحث في الأدب، لأنه «حَمَّال أوْجُه»، وخصوصًا لدى الأندلسيين الذين كانوا على وعي كبير بهذا البُعد الرمزي في الخطاب الأدبي، كما باحت بذلك مُدَوَّنة هذا الفصل | Art-and-Literature |
كان مبحث «الألوان: سجال الأعراق والأذواق» نواةَ هذه الإشكالية، حيث بدأت المفاضلة بين الألوان البشرية على خلفية عِرْقية، تؤرِّخ للحظة تفاعل الجنسيات في بَنْكِ الدماء الأندلسي، وانعكاس ذلك التفاعل الجيني على الذوق الجمالي، وسُلَّمِ أفْضَلِياته، فكان الأدب أفضل مرآة تعكس هذه الخلفية، ولو من وراء لعبة الألوان الرمزية | Art-and-Literature |
هكذا يكون القسم الثاني قد خُصّص للأدب مضمارًا للعبقريات، بانيًا هرم إبداعه المتفاضل في طبقاته، ومحاكِمًا أجناسه، ومنافِسًا ضمنه بين «بَدائع البَدَائِه»، ومُسْتَكْنِهًا تفاضُل خلفياته المَرْمُوزَة | Art-and-Literature |
إنهــا الفضـاء الحضاري الذي نبـتت في حضـنه «المُفـاضلات»، وأخذت - عبر أدبه - مختلف تجلياتها، بحيث إننا لو أردنا أن نرسم صورة ذهنية متخيلة لمثلث العنوان الذي يشكّل أثافي أطروحتنا، فإن «المُفاضلات» ستمثل الثمرة و«الأدب» الغصن، و«الأندلس» جذع شجرة الأطروحة، الذي يمدها بنسغ الحياة والنماء المميز لها، بحسب تميّز التربة في تفاعلات المكان مع الزمان والإنسان والأديان، حيث جسدت هذه العناصر الأربعة مشمول المفهوم الحضاري لكلمة «الأندلس»، وهو ما سوّغ تخصيص كل منها بأحد الفصول الأربعة المؤسسة لهذا القسم، وفي ضوء هذا تناولناها تباعًا، مركِّزين على علاقتها بالأدب، ونزعة المفاضلة فيه، بادئين بـ: | Art-and-Literature |
المكان: صورة الفردوس: حيث لاحظنا أن الدلالة المكانية للفظ «الأندلس» متغيرة عبر العصور، توَسُّعًا وتَقَلُّصًا، ولكنها في حقيقتها تبدو كما رسمتها مخيلة المؤرخين والمبدعين صورة مركّبة من أرْوَع ما في بلاد الله عامة | Art-and-Literature |
من هنا، لاغرابة أن نستهِل مباحث هذا الفصل بجدلية «الأندلس والمشرق: الاتباع والابتداع»؛ فالأندلس المتقمِّصة روح المدينة الفاضلة فاخرت الجَنَّة العليا، فكيف لا تفاخر ما سوى ذلك، وتنازعه قَصبَ السبْق؟! وحتى لو كانت بلاد المشرق هي أصلها ومرجعيتها الكبرى، «ففي السلافة معنى ليس في العنب» | Art-and-Literature |
كان ثاني المباحث عن «الأندلس وأفريقيا : حوار الجوار»، حيث كانت رسالة ابن الربيب القيرواني إلى الأندلسيين القادح الأول لشرارة السجال الثقافي بين هاتين العُدْوَتَيْن، فبدأت الأندلس بالعُدْوَة الشرقية، لتثني - في حوار الجوار - بعُدْوَتِها الجنوبية، عبر المبحث الثالث «الأندلس والمغرب: الوصل والفصل»؛ إذ طالما تحكّمتْ في العلاقة بين بَرَّيْ الأندلس والمغرب الأقصى جدلية وصْل وفصْل أزلية، شبيهة بناموس المَدِّ والجَزْر بين الضفتين | Art-and-Literature |
عبرنا من المكان إلى الوجه الآخر للأندلس، عبر فصل الزمان وفلسفة الإحسان، إذ ما دمنا - في الفصل السابق - قد رسمنا ملامح الفضاء المكاني لهذه الأطروحة، وفي انتظار التجاوز إلى الإنسان في الفصل اللاحق، فإننا في هذا البرزخ بين الفصلين مطالَبون منهجيًا برسْم ملامح الإطار الزماني للمفاضلات في الأدب الأندلسي، نظرًا إلى أن هذه العناصر مجتمعة تمثّل مثلت أضلاع البيئة | Art-and-Literature |
لمّا كانت سيرورة الزمن، مع عناصره هذه، محكومة بالتقلُّب عبر مرتفعات الحياة ومنحدراتها، صار من الطبيعي أن تكون روح المُفاضلة حاضرة في رؤية الإنسان حلقاته وحقبه المتغايرة | Art-and-Literature |
أمام هذا الفضاء الزمني الفسيح، تُطرح بإلحاح ضرورة رسْم ملامحه المتباينة، والتحكم في مفاصل سيرورته، عبر آليات التحْقيب المتعددة الخلْفيات والمعايير، تجاذُبًا بين تسْييس التحْقيب أو«تأديبه» | Art-and-Literature |
أخيرًا، ينتهي بنا المطاف إلى «الزمن: بين الاسترجاع والاستشراف»، آخر مباحث الفصل، فالأندلسيون - إذا تأزم واقعهم– لايجدون بُدًّا من البحْث عن متنفّس، إمّا في اتجاه الماضي الجميل استرجاعًا، وإمّا في اتجاه المستقبل المأمول استشرافًا، منطلقين – في التذبذب بين هذين القطبَيْن – من مُسلّمة نِسْبِية الزمن، وتَحَكُّمِ ناموس التغيُّر والتبَدُّل فيه، عبْر تمَاهِي السيرورة والصيرورة الذي يعبَّر عنه لغويًا بـ «صَرْفِ الزمان»، من حيث تلوّنه | Art-and-Literature |
بعد استجلاء روح المفاضلة في المكان والزمان الأندلسيين، يتنزل الفصل العاشر «الإنسان: تفاعل الدماء والانتماء»، ضمن ذلك الفضاء الزمكاني، الموسـوم بـ «الأندلس»، بحسـب ما حدَّدناه سابقًا، تعايشتْ تركيبة سكانية متنوعة الأعْراق، حيث كانت الأندلس أشبه ببنك للدماء والجِينات المتفاعلة، عبْر تاريخها القديم، في طوْرَيْ ما قبل الإسلام وبعده | Art-and-Literature |
على الرغم من هذه التركيبة الإثْنِية المعقدة، فإن المكونات الثقافية انتصرت على المكونات العِرْقِية العنصرية، فسَخَّرَتْ هذه الأخيرةَ لمصلحة الأولى، وأصبح معيار الأفضلية الأساس هو الإبداع، تطبيقًا لقاعدة «قيمة كل امرئ ما يحسن»، بغضّ النظر عن انتمائه الإثْنِي، أو موقعه الطبقي، حيث كانوا «يُعَظِّمُونَ منْ عَظَّمَهُ عِلْمُهُ، ويَرْفَعُونَ منْ رَفَعَهُ أدَبُه»، كما يشهد لهم بذلك ابن الربيب القيرواني | Art-and-Literature |
أمّا مبحث «العرب والبربر: تنازع الأخلاق والأعراق»، فربما تكون ثنائيته أكثر الثنائيات الإثْنِية حساسية في الثقافة الأندلسية، وفي ثقافة الغرب الإسلامي عمومًا، وهذا ما يتطلّب جرعة عالية من الموضوعية في تناولها، لأنها غالبًا ما يتنازعها انحياز كلٍّ من الأقلام الأندلسية والمغربية إلى عُدْوَتِها، حتى أصبحت «النَّفْرَة» بين العُدْوَتَيْنِ مُسَلَّمَة بَدَهِيَّة عند الدارسين، مع أننا لاحظنا بين العرب والبربر كثيرًا من التشابه، يفسّر سرعة الانسجام بينهما في فتح الأندلس، وسرعة استجابة البربر لِمَدِّ التعْريب المُرافِق للفتوحات الإسلامية | Art-and-Literature |
في ختام مباحث الفصل، تأتي «الهوية الأندلسية :بين النسب والأدب»، خلاصةً لجدل الهويات، المتأطر ضِمْن المُفاضلات ذات الخلفية العِرْقِية في الأدب الأندلسي، حيث يرتكز على فن أدبي استحدث هناك، يسمّى «ما اسمك يا أخا العرب»، وينبني على دعامتين: السؤال عن الاسم، والمناداة بأخوة العرب | Art-and-Literature |
هكذا يقدِّم هذا الفن منهجيته عبْر التعريف بالهوية العربية المنْشودة، من خلال لعبة الحروف والأسماء والأنساب والأخلاق والأذواق، بحيث تصبح حروف الأبجدية العربية «أبا الجد» الحقيقي لهؤلاء، وهي الشفرة الوراثية التي لا تكشف أسرار حروفها، إلا لأمثال هؤلاء الأندلسيين، المتعطشين لإشباع نَهَمِ الانتماء العربي، وتحقيقه في الأدب حتى لو تعذّر في النسَب | Art-and-Literature |
بعدما وضعْنا «المُفاضلات في الأدب الأندلسي» ضمن أهمِّ أطُرها الحاضنة لها، أدْرَجْناها هنا ضمن إطارها الإيماني، عَبْرَ فصل «الأديان: حوار سابق للأوان» | Art-and-Literature |
يأتي انْدراج أطروحة «المُفاضلات في الأدب الأندلسي» في داخل إطارها الديني، من كون الديانات – منذ الأزل - قائمة على المفاضلة، من حيث تناسخها، خَلَفًا لسَلَف، ومن حيث اختيارات منتحليها | Art-and-Literature |
هكذا تَبَدَّى من خلال هذا العمل المتواضع أن الأندلسي مثلما فاضَل بين الآداب وأُطرها المكانية والزمانية والإنسانية، فَاضَل أيضًا بين الديانات الثلاث الكبرى التي كانت تعيش جدل الوصْل والفصْل داخل الأندلس، كوجه آخر للتعدد العرقي والثقافي الذي مَيَّزَ السكانَ هناك، فخُصّص المَبْحث الأول
«الإسلام والمسيحية: تعايش وتناوش»، والمبحث الثاني «الإسلام واليهودية: احتضان ونكران»، ثم انتقل الأندلسيون من الموازنة الخارجية بين الإسلام ومِلَّتَيْ المسيحية واليهودية، إلى المفاضلة داخل الإسلام بين «المذاهب توحدًا وتعددًا»، في المَبْحث الثالث، وبين العلوم تفاضلًا وتكاملًا، في المبحث الرابع الذي مَثَّل المَرْفَأ الأخيرَ لهذا الكتاب | Art-and-Literature |
في ضوء هذه العُجَالة يتجلَّى مدى تَحَقُّق فرضية المُفاضلات هذه، على أبعادها المختلفة، عبر هذا البناء الأكاديمي الذي لا يَخْلو من تماسك ملحوظ، على الرغم من تعدُّد عناصره، وتعقُّد تركيبته، لأنه انبثق من روح الأطروحة وَوَحْيِ مدوّنتها ومُقْتَضَيات عنْوانها، ولم يُفْرَضْ عليها من خارجها، استنساخًا للمنهجيات المسبقة، وتعَصُّبًا للمناهج الجاهزة، كما يفعل بعض منتحلي صفة البحث، حيث تَكَوَّنَ عنوان هذه الأطروحة من ثلاث وحَدَات أساسية، شَكَّلَتْ الأثافِي التي عليْها ترتكز، وهي: المُفاضلات، الأدب، الأندلس، وقد تناولناها وفْق اتجاه خَطِّية العنوان، تَدَرُّجًا من الأخص إلى الأعم، لأن المُفاضلات هي محور هذا الكتاب، والأدب هو المحور الثقافي الذي يتأطر ضمنه، والأندلس هي الفضاء الحضاري المحتضن لهذا الأدب ومفاضلاته، وكأن في هذا البناء إيحاء بأن المُفاضلات ثمرة يانعة، والأدب غصنها النضير، والأندلس جذعها الراسخ الذي يمدُّهَا بالخصوبة والنماء، كما أسلفنا أعلاه | Art-and-Literature |
أُدرج تحت الأقسام الثلاثة أحد عشر فصْلًا، توزعت في سبعة وأربعين مبحثًا، يمثل كل عنوان منها أطروحة مستقلة، إلا أن شتات هذه الأطروحات الصغرى تناغمَ وتسَاوَقَ في محيط أطروحة المُفاضلات الأم، على الرغم من صعوبة التَّحَكُّم مَنْهَجيًا في هذا الفضاء المترامي الأطراف، بحسب ما يلاحَظ من تركيبة خطة البحث | Art-and-Literature |
لا شيء أدَل على انسجام هذا البناء مع روح الأطروحة من عدم اعتباطية عنونة مفاصله كلها، إذ صِيغَت بأسلوب إشكالي، يقترح نهْج السجال الملائم لجو المُفاضلات الطاغي، إضافة إلى تلك القبَسَات التي وضعناها عتباتٍ أمام جميع عناوين الأقسام وفصولها ومباحثها، ناطقة بروحها وفحْواها، وماهدة لأساساتها بكُلِّ رسوخ، بحيث لم يولد عنصر من هذا البناء إلا من رحم مدونة تقتضيه، وترابط عضوي يستدعيه | Art-and-Literature |
فرض تركيب الكتاب وتعدد أبعاده تبنّي منهج نقدي واحد لمقاربة موضوعه؛ إذ لن يضيء منهج بمفرده إلا زاوية واحدة من الظاهرة المركّبة، بينما ستظل باقي الزوايا معتمة، فأمام مثل هذا النوع من الدراسات الأدبية الثقافية الاجتماعية التاريخية | Art-and-Literature |
إذا كان معنى الجِدَّة والابتكار في الإضافة العلمية هو الاختراع من العدم، فإنني لا أدَّعي ذلك أبدًا، لأن ذلك من خصوصيات الخالق المستحيلة في حق البشر، وكل ما أدَّعيه أن هذه المقاربة اجتهدت في تصميماتها وتحليلاتها وتأويلاتها وتعليلاتها، انطلاقًا من المُنْجَز إلى ما لمْ يُنْجَزْ، وتوْليدًا لما كان مجهولًا ممّا كان معلومًا، استنفارًا للطاقات الذاتية، وبَحْثًا عن الخصوصية التي فَطَرَنَا اللهُ عليها، فأمعَنَّا في تدجينها للأنا الجَمْعِي، خضوعًا لتربية القَبِيلة | Art-and-Literature |
• دخلت أطروحة المُفاضلات من باب المُفاضلات ذاتها، لأنها شكَّلت عندي مِزاجًا شخصيًا، يحْكم سلوكي وذِهْنيتي، حيث وجدت ذاتي في هذا المزاج الأندلسي الطاغي، فتقمَّصْتُه، وأردت أن أجعل عدْواه تَنْبَثُّ داخل التداول العام خطابًا وميولًا وسلوكًا، تغليبًا للمعجم الأفضل، والذهنية الأمثل | Art-and-Literature |
• اتخذتها مِنْظارًا سحريًا أقرأ به الأدب والحياةَ، فتصبح النتائج التي أحصدها - وأنا أضَعُه على عَيْني - مختلفة تمامًا عن نتائج قراءاتي وأنا أنزعه | Art-and-Literature |
• أعتقد أنني - بواسطته – استطعت أن أنْفُذَ برؤْيته الكشَّافة، إلى خيوط وأمشاج الظاهرة المدروسة، أينما انْدَسَّتْ في أنسجة الخطابات والممارسات الأندلسية، وحتى تلك التي لم تُصَنَّف يومًا داخل دائرة المُفاضلات | Art-and-Literature |
• اخْتَرَقْتُ – عبر ذلك المِنْظار – سُطوح الأجناس الأدبيةِ شِعْرًا ونَثْرًا، ومخْتلف أساليبها، وتنْظيرات النَّقْد حوْلها، لأكتشف بنى المُفاضلة الثاوية في أعماقها، مستقطِبًا عشرات النصوص التي ما اجتمعتْ قط - بحسب علمي - تحت سقف واحد قبل هذا | Art-and-Literature |
• كما أنني اتخذت هذه الأطروحة مدرسة، قرأت ضمنها ما لم أقرأه قبْلها في شأن الأدب الأندلسي، وشكَّلت لنفسي من خلالها مكتبة شخصية، حيث كنت أقتني لكل فصْل، وكل مَبْحث، كتُبَه الخاصة به، ووفَّرَتْ لي - في شموليتها - أن يكون تخصّصي في الأدب الأندلسي مفتوحًا، غير محدود بفنٍّ، ولاعصْر، ولامصْرٍ، داخل الفضاء الأندلسي الفسيح البديع، وفتحَ لِي التَّمَرُّسُ بها مَداخِلَ بحوث كثيرة | Art-and-Literature |
• من هنا كانت «المُفاضلات» - في اعتقادي - شُرْفَة، وَفَّرَتْ لِي - وربما تُوَفِّر للقارئ - زاويةَ نظر إلى الأدب الأندلسي، أوسع وأعمق، من أي إطلالة أخرى | Art-and-Literature |
• كما أنني - تَلَبُّسًا بروح المُفاضلة في بُعْدِها الإيجابي الشريف - وجدت نفسي في أحيان كثيرة لا أتماهى مع كثير من آراءِ الدارسين الكبار الذين تناولوا الموضوع قبْلي وتحليلاتهم، لأن منظور المُفاضلات ربما يمنحني ثِقةً في القراءة الذاتية، ويجعلني - بغضِّ النظر عن تواضع مكانة الطالب الباحث، مقارنة بالأستاذ الكبير - لا أقتنع إلا بالمُفاضَلة الخلاَّقَة بين الرُّؤَى والأطروحات، بحسب قُوَّةِ الحِجاج، وصَلابَة المُتَّكَأ المَنْطِقِي، ودِقة المَلْمَح التَّأويلي | Art-and-Literature |
• في ضوء ذلك، ربما أتجاسر على ادِّعاء تَحَقُّقِ الأطروحة العامة عبر النصوص والقضايا والأنساق، متغلغلة في بنية الذهنية الأندلسية، على الصعد المختلفة ؛ حيث كان: | Art-and-Literature |
- بيانها هو الطرَف الثابت، والآداب المتفاعلة معه هي المتغيرة | Art-and-Literature |
- ومكانها هو المركز والأمكنة المُتفاضِلة معه هي الهوامش | Art-and-Literature |
- وزمانُها الأندلسي هو ربيع الأزمنة كلِّها | Art-and-Literature |
- وإنسانها العَرَبيُّ هو المحور، والعناصر المُتنافِسَةُ معه لَواحِق | Art-and-Literature |
- وإيمانها الإسلامي هو المهيمن، والأديان المتحاورة معه توَابع | Art-and-Literature |
هكذا تَمَحَّضَتْ هذه الذهنية النزَّاعة إلى التفَاضُل - عبْر التفاعل الخلّاق - هوية أدبية، مبدعة في بَيانِها، أندلسية فردوسية في مكانها، ربيعِية في زمانها، عربية في إنسانها لسانها، إسلامِية منفتحة في إيمانها وتمذهبها وعِرفانها، وهذه هي ثوابتُ شخْصيتها التي شكَّلت حلقات العمود الفقري لهيكل الأطروحة، إلا أنها ظلَّت أيضًا إنسانية كونية، في انفتاحها على عوالمها الحافة بها من خارجها | Art-and-Literature |
ربما كان هذا الانغلاقُ والانفتاحُ مُعْطى من مُعْطِيات مَوْقِعِها المَكاني شِبْه الجزيري، ويتجَلَّى هذا المُعْطَى أيضًا في تَجَاذبها الروحي والمِزَاجِي، بين الإغراب في الإبداع من جهة، والوسطية والاعتدال في الحياة العامة من جهة أخرى، وذلك كله ما يُفَسِّرُ أيضًا جَدَلَ الاستقلال والتبعية في الذهنية الأندلسية عبر تاريخها، حيث كان الاستقلال منزعًا شخصيًا متأصلًا، والتبعية إكراهًا أو اضطرارًا عابرًا، كما ينضاف إلى هذا جنوح الأندلسي - في ذهنيته العامة - إلى الرؤية الجَدَلِيَّة غير الحَدِّيَّة «إما – وإما»، انسجامًا مع بيئة هُوُيَّتِه المُرَكَّبَةِ حضاريًا، وثقافيًا، وعرقيًا، ودينيًا | Art-and-Literature |
إذا أردنا تحْيين الأطروحة في راهنية تجلياتها، فإن بعث المُفاضلات - معجمًا وذهنيَّة - مُهِم في هذا الزمن الرديء الذي أصبح فيه حظ العرب والمسلمين من المُفاضلات قاصِرًا على أكبر عَلَم، أو أكبر ساندويش، أو أكبر قصْعة كسكس، إلى غير ذلك من التفاهات، التي نُحْرِز فيها الأرقام القياسية، في حِين يتصَدَّرُ غيرُنا صفحَاتِ كتابِ «غينِس» للأرقام القياسية في الإنجازات والاختراعات الرائعة والنافعة | Art-and-Literature |
كذلك ربما يُعتبر حوار الأجناس الأدبية - ضِمْنَها - تأصيلًا للجدل المُثار منذ زمن عن الشعر والنثر وعلاقتهما، عبر القصيدة المُتَّزِنَةِ وقصيدة النثر، ومفهوميْ الأدبية والشعرية في إشكاليتيْهما | Art-and-Literature |
زد على ذلك أن ثنائية البديهة والارتجال - في تفسير الجاحظ لها بارتباط الأولى بالثقافة العجمية المدنِية، وارتباط الثانية بالثقافة العربية البدوِية - تُؤصِّل اليوم لكلِّ ما نراه من السياسات العقلانية المخَطَّط لها عند أولئك، والسياسات والقرارات الارتجالية عندنا، بكل ما يترتب على هذا وذاك من نتائجَ إيجابية هناك، وسلبية هنا، هذا مع ما تكتنزه الثنائية من ظلال الجدل الذي لايزال مُثارًا في شأن الإبداع في زمن ثقافة السرعة | Art-and-Literature |
كما أن اتخاذ الألوان والزهور والنباتات والأدوات رموزًا وأساطير وأقنعة، عن الأبعاد العِرْقية والطبقِية والسياسية والحضارية، فيه تأصيل لتقنيات الرمز والأسطورة والقناع في الأدب الحديث، إضافة إلى الطابَع المحلّي الذي صَبَغ به الأندلسيون رموزهم وأقنعَتهم المتشبِّعة بروح الخصوصية المميزة لبيئة بلدهم، وهذا ما يفتقر إليه رواد الحداثة العربية المتلفّعون برموز غيرهم، والمتقمّصون أقنعة مستوردة من خارج بيئتهم | Art-and-Literature |
كما أن طريقتهم في تدبير الخلافات وترشيد الصراعات الدينية والإثنية والثقافية والمذهبية التي أثَّثَتْ فضاءَ المُفاضلات هناك، تمثّل درسًا عميقًا في الحوار الحقيقي بين الثقافات والحضارات والديانات، يبدو أكثر صدقية وجدوى من الشعارات الجوفاء المغشوشة التي لاتعدو كونها «جعجعة بلا طحين» | Art-and-Literature |
مهما يكن حظ هذا الحصاد المتواضع من التوفيق، فإني أدرك ما في عملي من هنات لم يسعفني الوقت ولا الجهد ولا العلم في تلافيها | Art-and-Literature |
في ضوء ذلك، يبقى أفق هذه الأطروحة مفتوحًا على المستقبل، إذ اكتفيت الآن بنحت ملامحها العامة، وتأسِيس دعائم بنْيَتها، تاركًا قابلية الإضافة والتكميل متاحة في كل وقت وحين، والمُعَوَّل في ذلك على حصافة ملاحظات أساتذتي، وقرائي وتَوَقُّدِ أذهانهم، وتَضَلُّعِهم المعرفي، وتَمَرُّسِهم المَنْهجي، فلي ولها أسعد الحظ بالعبور أمام المناظير النقدية الكَشَّافة لأساطين الأدب والنقد، عبْر تَحْكِيمَيْن عِلْمِيَّيْن، لا مهاودة فيهما، أوَّلهما عندما أجازتها لنيل الدكتوراه، بمرتبة الشرف الأولى، لجنة المناقشة الأكاديمية الاستثنائية، في جامعة محمد الخامس في المغرب، والثاني عندما خضَعَتْ لتَحْكيم النشْر حديثًا في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات | Art-and-Literature |
إن مصطلح المفاضلات لا يتحدد مفهومه أكثر إلا إذا وضِع في إطار شبكة المفاهيم التي ينزرع ضمنها، حيث يتأطر داخل حقل دلالي يزدحم بكثير من الألفاظ واشجة القرابة به، إلى درجة تكاد ترادفه، مثل المناظرات والمفاخرات، والمنافرات التي تشترك في التفاعل بين طرفين فأكثر في صفة ما، على وجه المغالبة أو المشاركة على الأقل، بحسب ما توحي به هذه الصيغة الصرفية المفردة في وزنها المتعددة في دلالتها | Art-and-Literature |
هنا لا بد من الإشارة إلى أن مصطلح المفاضلات ليس من أكثر أخواته شيوعًا في مجال الأدب عمومًا، ولاسيما في التداول الأندلسي، أو في الكتابات بشأن أدب هذا البلد، حيث كان الجنوح إلى بعض أخوات المفاضلات أكثر في هذا السياق | Art-and-Literature |
وضعنا اليد - حتى الآن - على عشرات المصطلحات الداخلة في شبكة المفاضلات مفاهيميًا، وعانينا في محاولة تصنيفها إلى زُمَر، في مصفوفات متعددة، بحسب دلالتها المفاضلاتية، بدءًا بالأدنى في الدلالة على التفاضل | Art-and-Literature |
نعني بالمشاركات الألفاظ الدالة على التشارك في الفعل بين فاعلين، والممثّلة نواة الحقل الدلالي وقاعدة انطلاق سلّم المفاضلات وتصـاعده | Art-and-Literature |
إن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، لأن اسمه - على قول - مركّب من إنسين، فهو بفطرته تواق إلى التفاعل مع الآخر، ولا سيما في الأندلس التي أضافت إلى غربة الإنسان الوجودية المرافقة له منذ إنزاله من الجنة إلى الأرض، غربة الموقع مكانًا وإنسانًا ووجدانًا، وهو ما جعل الأندلسي يعتبر التعاطي مع الآخر ضرورة، والمشاركة في الفعل الحضاري واجبًا عينيًا مقدسًا، إذ يقول أبو عبد الله بن الكتاني المذحجي شيخ ابن حزم: «إن من العجب من يبقى في العالم دون تعاون على مصلحة! أما يرى الحرَّاث يحرث له، والبنَّاء يبني له، والخرَّاز يخرز له، وسائر الناس كل يتولى شغلًا له فيه مصلحة، وبه إليه ضرورة؟ أما يستحي أن يبقى عيالًا على كل من في العالم؟ ألا يعين هو أيضًا بشيء من المصلحة؟» | Art-and-Literature |
زَكَّى ابن حزم هذه الرؤية النسقية للمهن أو المصالح، معتبرًا إياها داخلة في التعاون على البِر والتقوى المأمور به شرعًا | Art-and-Literature |
مهما يكن الأمر، فإن قانون جدلية الحياة ونسبيتها يقتضي أن يتجاذب هذا التفاعلَ لوْنَا الخير والشر، الإيجابي والسلبي، وكي يكون الوجهان معًا داخلين في ذهنية المفاضلات، كان الأندلسي يتحدث عن المشاركات السلبية منكِرًا، ويتحدث عن الإيجابية مقرِّرًا | Art-and-Literature |
تتميز المماثلات بأنها أكثر ودية من لاحقتيها، إذ ينزع فيها أحد الطرفين إلى أن يعادل الآخر | Art-and-Literature |
مهما يكن الأمر، فإن هذه المماثلة كانت –حضاريًا - محطة أساسية في مسار تحقيق الذات الأندلسية؛ فقبل الاستقلال والتميز - ثم التفوق - لا بد من تحقيق المماثلة والتكافؤ الندي مبدئيًا | Art-and-Literature |
من هنا يبدو أن التشبيه أو التمثيل - كما كان هدفًا حضاريًا - كان هاجسًا إبداعيًا لدى الأندلسيين | Art-and-Literature |
كُلِّفْتُ تشْبيهَه يومًا فقلتُ:خُذوا الـ | Art-and-Literature |
تَّشْبيهَ بالخُبْر لا يشْغلْكُمُ الخَبَر | Art-and-Literature |
كان أبا العباس أحفمد بن شكيل (ت 605 هـ/1208م) – على الرغم من قدرته الخارقة في - هذا الباب – يشعر أحيانًا بالعجز أمام إيجاد وجه الشبه لحالته النفسية المأساوية: | Art-and-Literature |
ألا مَـثَـلٌ لـي إنه ليَ مُعْجـزٌ | Art-and-Literature |
وإني لأمثال الورى لضَرُوبُ | Art-and-Literature |
إذا قلتُ في شيء كأنِّي كنْتُه | Art-and-Literature |
وسرُّ اتَّخاذ المُشْبِهين عجيبُ | Art-and-Literature |
ارتقى الأندلسيون بهذا التشبيه والمماثلة إلى أبعد آفاقه الصوفية الفلسفية، حيث رأى محمد مفتاح أن ابن الخطيب، تأثرًا بالمنهاجية الهرمسية والأفلاطونية والأفلاطونية المحدثة التي تقوم على التشبيهات والترابطات، بنى كتابه روضة التعريف بالحب الشريف على تشبيه شيئين بشيئين، والشيئان المُشَبَّهُ بهما هما الأرض والشجرة، والشيئان المُشَبَّهان هما: النفوس والمحبة، وليصح التشبيه لا بد من وجه شبه، ولا بد من أن يلحق المعروف باللامعروف، والأدنى بالأعلى، والناقص بالأشمل، تبعًا للمجالات الإدراكية المختلفة | Art-and-Literature |
إن التشبيه الأول هو المحبة شجرة، وإجراء التشبيه هو أقسام المحبة أغصان الشجرة، وحكايات المحبة أوراق الشجرة، وأخلاق المحبة أزهار الشجرة، وغايات المحبة أثمارالشجرة | Art-and-Literature |
أمّا التشبيه الثاني فهو النفس أرض، والنفس هي النفس الأمَّارة، والنفس اللوَّامة، والنفس المطمئنة | Art-and-Literature |
إن هذه المقاولات القائمة على تفاعل الأقوال، تنقسم إلى مصفوفة سلبية وأخرى إيجابية: | Art-and-Literature |
- المخاصمات، وتتميز بالصيغة الخلافية غالبًا مثل: المخاصمة؛ المجادلة؛ المحاكمة؛المهاترة؛ المغالطة؛ المماحكة؛ المحاجة؛ المحادَّة | Art-and-Literature |
- المحاورة، وتتسم بالصيغة المهادِنة في الغالب، مثل: المحاورة؛ المناقشة؛ المفاوضة؛ المخاطبة؛ المراجعة؛ المجاوبة؛ المشافهة؛ المقاولة؛ المحاضرة؛ المذاكرة؛ المواجزة؛ المرادة | Art-and-Literature |
تُعتبر المقاولات في بعدها اللغوي وبمَنْحَيَيْها: الخِصامي والحِواري مجالًا حيويًا للتفاعل الأندلسي، داخليًّا وخارجيًّا؛ حيث كان الأدباء هناك يعتبرون المراجعة بينهم سنّة مرعية، والإخلال بها تصرفًا مرفوضًا، وخروجًا على الملة، فـ «الجواب فرض يحرج مُعَطِّله، ويخرج عن ملة التصافي مُبْطله» | Art-and-Literature |
في ضوء هذا كانوا يستشعرون الضيم والإهانة في الإمساك عن المراجعة، فـالمعتمد بن عباد (ت 488هـ/1095م) لم يتقبل أن يستهديه أبو الحسن علي بن عبد الغني الحصري القيرواني (ت 488/1095م)، خلال مروره أسيرًا بطنجة، ثم لا يرد على الشعر الذي أرفقه بجائزته، فينبِّهُه قائلًا: | Art-and-Literature |
قـــلْ لمــــنْ جَمَــــعَ العِلْــــــ | Art-and-Literature |
مَ ومـــــنْ أحْصَــــى صــَوابــــهْ | Art-and-Literature |
كـــانَ فـي الصُّــــرَّةِ شِعْــــرٌ | Art-and-Literature |
فـتَــنَــظَّــرْنـــا جَـوابَـــــهْ | Art-and-Literature |
هذا أبو محمد عبد المجيد بن عبدون الفهري (ت 529/1135م) يراسل الطبيب الأديب أبا العلاء بن زهر (ت 526/1132م)، خاطبًا ودّه، وعندما يتخلَّف الأخير عن جوابه لشغل عرض، يعاتبه قائلًا: | Art-and-Literature |
َخطَـبْتُ إلـيـه مـن هـواه عـقـيـلـةً | Art-and-Literature |
وأعطيتُ من شُكْري وأغلِ به مَهْرَا | Art-and-Literature |
فـأطـرقَ لـمْ ينْبسْ بحَرْفٍ، ولم يَعُدْ | Art-and-Literature |
إليّ جوابٌ منه نظمًا ولا نثرا | Art-and-Literature |
استشعارا لهذا الحرج الذي يخلفه عدم المراجعة في نفسية الأندلسي الحساس، كانوا يتكلفونها على كل حال | Art-and-Literature |
هكذا، كانوا يتهيبون المفاتحة في الخطاب، إشفاقًا من حرج تجاهل الطرف المخاطَب، فابن بسام يمهد لمراسلته أبا بكر بن عبد العزيز (ت 456هـ/1064م) قائلًا: وما زلت «أحن إلى مفاتحة الخطاب، وقلّما يقع إلا بأسباب، إذ الدخول لا يكون إلا على باب، وعندهم – على علمك - أن الهجوم عليه دون سبب نوع من الجفاء، وضرب من مفارقة الحياء، لا يستجيزه إلا من كان من الأدب بمعْزل، وللأمور غير مُحَصِّل، فلك الفضل في المراجعة - إن تأتتْ - عنها، ولو بقليل حروف» | Art-and-Literature |
أجل، إن المراجعة مهما تقلّ حروفها تُعتبر رفعًا للحرج وجلبًا للأنس، وقد كتب بعض الأندلسيين إلى أحد إخوانه: | Art-and-Literature |
أبا بكرٍ اسْمَعْها وراجعْ مؤنِّسًا | Art-and-Literature |
ولو بقسيمٍ أو بمِصْراع قافيهْ | Art-and-Literature |
إن الأندلسي لا يحبُّ العزْفَ المُنْفرد، لايحب لصدى صوته أن يتلاشى في متاهات الأثير، من دون أن يراجعه صدى صوت آخر، يؤنس وحشته، وفي هذا يقول ابن حريق: | Art-and-Literature |
ويؤْنسني – وإن كانتْ مُحالًا - | Art-and-Literature |
مُراجعةُ الصدى قِيلًا بقيل | Art-and-Literature |
بل إن الرِّقاع بين الأصدقاء تُعتبر – عندهم - تحفةً نفيسة، يتلهفون عليها مفاتحةً ومراجعةً، وفي ضوء هذا قرروا أنه «إذا عدم التناطق، وجب التباطق» | Art-and-Literature |
على الرغم من تهيبهم الآنف للتسَوُّر على الخطاب مفاتحة، من غير سابق أسباب، فإن شغفهم بها جعلهم يعطون اقتحام هذا المحظور - إنْ حَدَثَ – تفسيرًا نفسيًا ميتافيزيقيًا، يرجع إلى تجاذب الأرواح في عالم الغيب: «فقد يتراسل الناس، وإن لم تتقدم مُباسطة، ولا سبقت مخالطة، لأسباب تصل أهواءهم، وأحوال تجمع أرواحهم، فتأتلف قلوبهم، وتعود ذاتُ بيْنِهم كأنْ لم تزلْ ملتئمة، وتلوح قواعد مُؤاخاتهم كأنْ لم تبرحْ مستقرة مستحكمة» | Art-and-Literature |
إذا كان هذا التفاعل البياني يلبي حاجة نفسية، فإنه - أيضًا - يشبع حاجات عقلية، باعتباره أهم تقنيات الجدل والسجال، ولذلك قالوا :«إن التحاورَ ليَطْمَئِنُّ به البرهان» | Art-and-Literature |
لعل هذه التوطئة تفسر وفرة المعجم المؤثت لهذا العنوان، ببُعديه الودِّي و«الرَّدِّي»، بقدر ما تفسر شيوع أدبيات المراجعات النثرية والشعرية بينهم، مشافهة ومكاتبة | Art-and-Literature |
أمّا على المستوى الجماعي، فإن أهم الأمثلة لذلك ردود أدباء الأندلس على رسالة ابن غرسيه، التي سنعرض لها لاحقًا، إضافة إلى تناسخ أدبيات «ما اسمك يا أخا العرب»، انبثاقًا من أرجوزة أحمد بن سيده، واستمرارًا مع من جاء بعده، فكل هذه الردود استمرت متفاعلة عبر القرون، ضرباتٍ ارتداديةً على الهزَّات الأولى لزلازلها | Art-and-Literature |
تتميز المغالبات بكون الجهد المبذول - في الأغلب - خلالها جهدًا عضليًا في أصل دلالتها على الأقل، وتنقسم إلى مغالبات قتالية وأخرى سلمية، حيث إن الأولى تتميز بأن الجهد المبذول فيها للغلب ذو حمولة مؤذية، مثل: المغالبة؛ المجاهدة؛ المقارعة؛ المجالدة؛ المنازلة؛ المناهضة؛ المساورة؛ المحاربة؛ المناهبة؛ المغاورة؛ المقاومة؛ المصادمة؛ المثاغرة؛ المناوأة؛ المنافحة؛ المكافحة؛ المخاطرة؛ المزاحمة؛ المناطحة؛ المطاردة؛ المحاماة؛ المجاهضة؛ المناجزة؛ المراغمة؛ المصاولة؛ المصارعة؛ المجاذبة؛ المنازعة؛ المهاصرة؛ المهارشة؛ المزاحمة؛ المصابرة؛ المذارعة | Art-and-Literature |
هنا يبدو أن اختزال هذا الفيض الغامر الذي جمعناه من معجم المفاضلات تحت اسم المغالبات، له ما يسوغه في قوة حضور ذهنية المغالبة، وهوايتها المتحكمة في حياة هذا البلد، في بُعديها القتالي والسلمي؛ حيث كانت الأندلس حضاريًّا مجرد سلسلة مغالبات عسكرية بدأت دينية، ثم تلونت عبر التاريخ بألوان قبلية وسياسية وعرقية، لتعود دينية كما بدأت أول مرة، من عهد الفاتحين إلى الولاة، إلى الأمراء إلى الخلفاء، إلى ملوك الطوائف، ثم إلى تناسخ الدول الخارجية المتغالبة من المرابطين والموحدين، ثم من النصْريين، إلى النصارى ختامًا | Art-and-Literature |
رافق هذا التجاذب الممتد عبر القرون - ما بين الفتح إلى الاسترداد - معجم ثري للمغالبات، فمنذ أن «امتلأت الأندلس بالفتن، وصار في كل جهة متغلب»، اسْتَشَفَّ بعض المتبصرين - بعمق - أن «هذه مُغالَبَة على الأمر، لا ندري إلى أين تُوصِل» | Art-and-Literature |
أمّا الجانب السلمي، فكانت ذهنية التغالب، أيضًا، حاضرة فيه بقوة، لا داخل منظومة الأخلاق ولا المكونات العرقية فحسب، بل حتى داخل التخصصات العلمية والعملية والأخلاقية للشخص الواحد؛ فهذا أحدهم «غلبت عليه الكتابة»، بينما يعلن الثاني هيمنة الشعر على وجدانه، وهناك ثالث «الغالب عليه الطب» ، ورابع «غلب عليه العمل الصالح»، وخامس«غلب عليه الثناء والذكر الجميل، حتى تمالأ أهل وقته على محبته» | Art-and-Literature |
لم تكن المغالبة في الألعاب أقَلَّ حضورًا من سابقاتها، ففي بلاط الأمير محمد بن عبد الرحمن الأموي (273هـ/886م)، حدث أنْ غلبَ الفتى أيدون أمِيرَهُ هذا في الشطرنج، فكبُر عليه الأمر حتى استقدم وزيره تمام بن عامر الثقفي (283هـ/896م)، فانتقم له من غالبه، حيث «وَالَى عليه قَمَرَاتٍ متواليةً، انقطع أيدون إثرها، فسُرَّ الأميرُ بوَقْمِه، وعَدَّهُ نصْرًا له» | Art-and-Literature |
غير بعيد عن هذا السياق نقلَ ابنُ عمار (ت 477هـ/1084م) المواجهةَ العسكرية مع إذفونش إلى رقعة الشطرنج، جاعلًا النصر فيها نصرًا في المعركة، والهزيمة فيها هزيمة أيضًا، ولذلك أذعن الإذفونش لشروط ابن عمار المسبقة، حين غلبه، فرجع عن بلاد المعتمد | Art-and-Literature |
أمّا سباق الخيل وسباق الزوارق في أيام المهرجان، فقد كان لهما حضور أقوى من مصارعة الثيران والأسود التي تُعتبر طقسًا أندلسيًّا بامتياز | Art-and-Literature |
Subsets and Splits
No saved queries yet
Save your SQL queries to embed, download, and access them later. Queries will appear here once saved.