Datasets:

text
stringlengths
1
2.38k
en_topic
stringclasses
10 values
ولئن تفاوتت مستويات الرضا أو عدمه بحسب الأحياء التي أُجريت فيها الملاحظات، فإن النتائج تُبرز صعوبة استعمال المتساكنين للفضاءات العمومية، ما يعكس تدنّي نوعية الحياة في المدن وداخل الأحياء وتراجع مستوى الأمن فيها
Politics
يبدو من الضروري الإشارة في الختام إلى صعوبة تحديد سبب رئيس لاندلاع الثورة انطلاقًا من هذه المناطق؛ إذ قد يتسنى تحديد السياق العام للحوادث من خلال استرداد الحقائق في الزمان والمكان، لكن تبقى إشكالية تداخل الأبعاد التنموية والتاريخية قائمة في تحليل المسببات الحضرية للثورة
Politics
في تاريخ الثورة التونسية الذي ستستمر كتابته وإعادة كتابته لفترة طويلة مقبلة، فإن الاسم الذي سيُحفظ أكثر من غيره هو محمد البوعزيزي؛ إذ بحركته وبالقرار اللايقيني الذي اتخذه في لحظة فارقة من حياته غيّر هذا الرجل مجرى تاريخ تونس بعد نصف قرن من الاستقلال، وفجّر ثورة ستستمر تداعياتها فترة طويلة
Politics
نحاول في هذا البحث قراءة هذا الحادث بأدوات المقاربة السيكولوجية الإكلينيكية، مركّزين على شخصية محمد البوعزيزي والمعاني والدلالات التي تضمنتها حركته، وردّات الأفعال عليها من المجتمع التونسي من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي
Politics
لنعُدْ قليلًا إلى حالة البوعزيزي الاجتماعية
Politics
في عام 2003، اعتبر رياض بن رجب أن الاسم قدر، إمّا أن نحمله وإمّا أن نتحمله، وهو نوع من الكثافة التي تحمل طاقة رمزية وعاطفية
Politics
في عام 1900 كتب مايير مقالة في مجلة Zeit أكد فيها أنه لا مجال للقيام بعمل أو باختيار شيء لا معنى له، أكان ذلك بشكل إرادي أم لا إرادي
Politics
اختار محمد البوعزيزي أن يضع حدًا لحياته حرقًا بالنار
Politics
كان مشروع هذا الكتاب سؤالا انقدح في ذهني وأنا أحرر، مع زملائي في قسم التحرير في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، كتاب المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة: هل مفهوم السلف يعبر عن جماعة حقية أم متخيلة؟ ولئن سألت أي سلفي: ما السلف؟ لأجابك بلا تردد: هم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، وهي اللازمة التي يسمعها المصلون في ختام خطبة كل جمعة
Religion
ولا أوضح دليلا على هذا التعميم المضلل من قول ابن تيمية، على سبيل المثال، في سياق حديثه عن عقوبة الدعاة إلى البدع: والداعي إلى البدعة مستحق العقوبة باتفاق المسلمين وعقوبته تكون تارة بالقتل وتارة بما دونه، كما قتل السلف جهم بن صفوان والجعد بن درهم وغيلان القدري وغيرهم
Religion
فهل قتل السلف (بما تعنيه الكلمة من صحابة وتابعين وتابعيهم) هؤلاء الدعاة حقا؟ وهل أجمع السلف بالفعل على قتلهم؟
Religion
معلوم أن من قتل الجهم بن صفوان هو سلم بن أحوز (أحد قادة بني أمية) فهل كان ابن أحوز من السلف الصالحين بحيث يحتجبفعله تأصيلا شرعيا لعقوبة الداعي إلى البدع بالقتل؟ فضلا عن أن ينسب قتل الجهم إلى السلف جميعهم؟ وهل كان خالد القسري (المعروف بالبطش والظلم) من السلف الصالح فضلا عن الزعم أن السلف جميعهم قتلوا الجعد؟ وهل هشام بن عبدالملك الذي قتل غيلان الدمشقي معدود في السلف الصالح كذلك فضلا عما فوق هذا من الدعاوى؟
Religion
بل لنفترض أن أحد هؤلاء القتلة الثلاثة، أو واحدا منهم كان فعلا وحقا من السلف الصالح، فهل يعد فعله أصلا حجة شرعية قائمة بذاتها؟
Religion
هذا مثال فقط على الإحالة على سلف متخيل، يقاس عليه كثير من الأمثلة، ولا سيما في العقائد وغيرها، والتي كان الحجاجفيها في الأصل حجا سيا اجتماعيا يلبس لبوسا عقائديا دينيا
Religion
وفي احتدام هذا النزاع السياسي الاجتماعي قامت المحنة، وفيه بدأ ما أسميه سلف المحنة، وأعني به السلف الذين اعتمد عليهم أحمد بن حنبل في احتجاجه في المحنة، وما كانوا إلا أفرادا من التابعين
Religion
ليس المتخيل بالضرورة كذبا ودجلا، متعمدا أو غير متعمد، بقدر ما يعني إعادة الإنتاج وإعادة التمثل والإسقاط والانتقاء، فالمنتسب إلى جماعة لم يتصل بها اتصالا مباشرا، ولا سيما إذا كانت هذه الجماعة مغرقة في القدم، هو في الحقيقة منتسب إلى جماعة متخيلة، أو صورة ذهنية، يعيد تمثلها وإنتاجها عصرا فعصرا، على حسب الحاجة والتوظيف، بقصد أو من دون قصد، ولهذا المفهوم ولهذه الصورة صفات في ذهنه محدودة معلومة، يحتذيها في سيره، ويشعر أنه معهم على الطريق
Religion
نالت السلفية حظا وافرا من البحوث والدراسات والمؤلفات؛ إذ لا يخفى على كل متابع أن لها تأثيرا واضحا، سيا واجتماعيا، في الأحداث الجارية في بلداننا العربية والإسلامية، ولا تزال محاولات فهمها درسا وتحليلا تتابع مرة بعد مرة، على الإجمال والتفصيل (وليس الشيعة ولا غيرهم عن هذا الدرس وضرورة الاشتغال به بمعزل)
Religion
وقد اعتنى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بهذا الموضوع وعلاقته بالسياسة والمجتمع والطائفية، فقدم الدكتور عزمي بشارة كتابه في الإجابة عن سؤال ما السلفية؟ وتناول رئيس قسم الأبحاث في المركز الأستاذ جمال باروت شيئا من التاريخ السياسي لفتاوى ابن تيمية في كتابه حملات كسروان
Religion
وقد كنت معتنيا بالفكر السلفي الذي نشأت في ظلاله، وقضيت فيه طفولتي وصباي ومراهقتي وشبابي، ودرسته درسا في المدارس النظامية، وفي حلقات العلم في المساجد، وعشته التزاما به عقودا، ثم نقدا ومراجعة، وألفت فيه كتبا مطبوعة ودراسات، لعل أوسعها كتاب نقد الخطاب السلفي: ابن تيمية نموذجا (2010)، وما أزال أرى هذا الموضوع محتاجا إلى مزيد من الدراسات الجادة والاهتمام، من جوانب مختلفة، باستقراء بحثي، وتتبع تاريخي، وهو، أي المنهجالتاريخي، ما لم أهتم به حق الاهتمام في مؤلفاتي السابقة
Religion
أما في هذا الكتاب فقد اهتممت بربط الأفكار بالتاريخ
Religion
قسمت هذا الكتاب على تمهيد، وبابين، وخاتمة، وأدرجت في الباب الأول فصلين، وفي الباب الثاني ثلاثة فصول
Religion
أما الأخبار التاريخية والنصوالوثائق، فلقد اعتمدت على أقدم المصادر المتعلقة بالموضوع، لأنها أقرب إلى الحدث، وكانت هي المصادر الرئيسة؛ اعتمدت في خبر المحنة، تحديدا، شهود العيان، حنبل بن إسحاق بن حنبل (ت
Religion
أما آراء أحمد ومنهجه، ففضلا عن بعض الكتب التي ذكرتها، اعتمدت اعتمادا كبيرا على كتب المسائل التي رواها تلاميذه المباشرون أول ما اعتمدت، كالمسائل التي رواها ابناه عبدالله بن أحمد (ت
Religion
تلك أهم المصادر التي اعتمدتها، فإن كان تعارض أو ما يوحي بالتعارض أعملت جانب الترجيح، وأما ما يخصأحمد بن حنبل وآراءه، ولا سيما في التفريق بين أحمد بن حنبل الحقي والمتخيل، فجعلت لي معيارين: الأول: الكتب التي رواها أصحابه المباشرون، على النحو الذي أسلفت، من حيث آراؤه وأحكامه على الرجال والطوائف، والثاني: المتفق عليه من أخلاقه وسيرته وصفاته
Religion
وقد اعتمدت على المصادر مباشرة، ولم أستأنس بكتب المعاصرين عربا وغير عرب، لسببين؛ أولهما أن أحدا لم يبحث في هذا الموضوع تخصيصا إلا إشارة هنا وإيماءة هناك، وثانيهما أن الكتب المعاصرة لم يجر فيها الاعتماد على كتب المسائل التي رواها عن أحمد بن حنبل تلاميذه المباشرون كما فعلت أنا، على قدر وسعي وطاقتي، ولا سيما أن طائفة منها حديث التحقيق، وخلطت تلك الكتب القديم بالمتأخر في الاستشهاد والاقتباس، على غير منهجواضح
Religion
ومن أهم الكتب التي تناولت المذهب الحنبلي كتاب المستشرق الأميركي وولتر باتون، أحمد بن حنبل والمحنة
Religion
هنا ينطلق باتون هو أيضا من فكرة متخيلة، طالما رددها خصوم المعتزلة والجهمية الذين احتكروا فيما بعد مصطلح أهل الحديث، فيقيمون أحكامهم على تمايز مخترع بين أهل الحديث وأهل الرأي، أو أهل الحديث والجهمية، أو أهل الحديث والمعتزلة، وغيرهم
Religion
ومن العجيب إطلاقه أن الحركة الاعتزالية نبذت السنة، وأنها تدين بالعقل دون النقل! وأنها حملت المسلمين على هذا! ومن طالع كتب الرجال وجدها ملأى بالرواة من مختلف الاتجاهات العقائدية؛ فمن الرواة خوارجوقدرية ومرجئة وشيعة، ولعلماء الجرح والتعديل أحكامهم فيهم توثيقا أو توهينا، وجمهورهم على رد رواية المبتدع الداعي إلى بدعته، بخلاف المبتدع الصدوق الذي لا يدعو إلى بدعته، فحتى المبتدعة هم أهل حديث كذلك وأهل رواية، غير أن لكل شروطه في قبول الرواية وردها
Religion
ويوحي باتون بأن مذهب أهل السنة (بالمصطلح العقائدي) هو الذي حفظ الإسلام، فما حفظ الإسلام عنده إنما هو السنة بمعناها العقائدي، وليس مطلق الأحاديث التي اختلف المحدثون في تصحيحها وتضعيفها، وجرح رواتها وتعديلهم، فلا يفرق باتون بين السنة (بمعناها العقائدي وبمعناها الأصولي كذلك) والحديث، وما موقف المعتزلة من تلك الطائفة البغدادية من أهل الحديث إلا موقف في تحديد ما هو سنة، معملين العقل النقدي في المرويات وفهمها وقبولها على وفق أصول الشريعة بحسب ما يرون، على أن جماهير علماء أهل السنة في التاريخ لم يكونوا إلا أشعرية وماتريدية، ولم يكونوا على وفاق، في معظم العصور، مع الحنابلة، على الرغم من موافقة بعض الحنابلة إياهم كابن الجوزي في كتابه دفع شبهة التشبيه، على سبيل المثال
Religion
بل يذهب باتون إلى مدى بعيد إلى حد الإغراب حين يزعم أن المعتزلة كانوا في كثير من الحالات لا يتحرجون عن التماس ملذاتهم والاسترسال فيها، إلى الحد الذي لا يؤتمنون فيه على رعاية المثل الخلقية أو الغيرة عليها، ثم يذهب إلى الطرف الأقصى فيستنتجأن الباعث الذي حملهم [أي المعتزلة] على انتهاجالخطة التي سلكوها هو باعث النفع والمصلحة، فقد بشروا بإنجيل الحرية لأنهم أحسوا أن أحكام الشريعة تقيدهم بالقيود التي تحول بينهم وبين ما يشتهون
Religion
ويقرر أن أحمد بن حنبل كان يميل إلى الأخذ عن القصاص(الوعاظ) من دون أن يذكر حتى دليلا واحدا على هذا، ولو دقق لوجد أنه كان يتشدد في أحاديث الأحكام، ويتساهل في أحاديث الترغيب والترهيب وهذا مذهب من مذاهب أهل الحديث
Religion
يضاف إلى ما سبق أن باتون لم يرجع في كتابه إلا إلى مصادر متأخرة، استقى منها القسط الأوفر من مادة بحثه، بحسب تعبيره، ذكرها هو في مقدمة كتابه، وهي حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصفهاني، وطبقات الشافعية لتاجالدين السبكي (ت
Religion
لم يسلم المستشرق المجري إيجناس جولدتسيهر من الوغول في المتخيل كذلك، ومن إطلاقات الأحكام بلا زمام ولا خطام، ولئن كان لم يتعرض لابن حنبل وللحنابلة إلا لما، فإنك تجده يصف الحنابلة بأنهم غير متسامحين دينيا حتى إزاء المسلمين المخالفين لهم في الرأي، وهو بهذا يستعمل التعميم والإطلاق، من دون أن يلتفت إلى تيارات الحنابلة واتجاهاتهم، ولسنا ندري ما قوله في الذين سجنوا أحمد بن حنبل وعذبوه، وما قوله في الذين سجنوا ابن تيمية (الحنبلي) حتى مات وهو في السجن، أيجوز أن نسميهم غير متسامحين دينيا كذلك؟ أم أن هذا الوصف استأثر به الحنابلة؟ ولو وفى النظر حقه لوجد هذا الموقف غير المتسامح مع المخالف يصبغ جميع المذاهب والطوائف، وهو في الحقيقة خاضع لظروف وسياقات تاريخية لا يجوز أن يكون معبرا بالضرورة عن المذاهب ولا حتى عن عموم أصحابها
Religion
ويعتمد جولدتسيهر في اتهام الحنابلة بعدم التسامح مع أهل الذمة، مثلا، على أن أحمد بن حنبل يرى أن حديث من آذى ذميا فقد آذاني لا أصل له
Religion
ويجزم جولدتسيهر أن المسلمين لو انصاعوا لمتشددي الحنابلة وأخذوا بآرائهم لجردوا الإسلام من معالمه، وأعادوه إلى مادته الأولى التي كانت عند نشأته بالمدينة، ولأرجعوه إلى الشكل الذي كان عليه في عهد الصحابة
Religion
ويستمر جولدتسيهر في إصدار الأحكام المطلقة فيقول: إنا لا نصادف في نفوس هؤلاء المتشددين، عبيد الألفاظ والحروف، أثرا لإحساس عميق، أو عاطفة متدفقة تملك زمام القلب، وما تشددهم كله إلا المنطق الرسمي للسنة الذي يتخلل ثنايا احتجاجهم
Religion
يعد المستشرق الفرنسي هنري لاوست ممن اعتنى بالمدرسة الحنبلية؛ إذ تناول شيئا من تأثير الحنابلة اجتماعيا وسيا، ولو بإيجاز شديد، وبسرد تاريخي لا أكثر، في مقالته الاضطرابات الدينية في بغداد في القرنين الرابع والخامس الهجريين، وكتب دراسة موجزة عن أحمد بن حنبل، وألف عن ابن تيمية تحديدا كتابا تفصيليا بعنوان نظريات ابن تيمية في السياسة والاجتماع، وهو كتاب فيه جهد كبير، واستقراء علمي واضح، وتتبع لافت، وأبان فيه عن فهم واستيعاب لابن تيمية ومنهجه في العقيدة والفقه، ونعم أخطأ في بعض المواطن مما لا ينتمي إلى اهتمامنا في هذا الكتاب، ولكنه أشار في مقدمته إلى المدرسة الحنبلية بوصفها النظام الأصولي والعقدي والتشريعي الناشئ عن أحمد بن حنبل، وأن المذهب الحنبلي كان بفضل شخصية مؤسسه وشخصيات أتباعه الرئيسيين من أهم العوامل التي بلورت الثقافة الإسلامية
Religion
ثم كتب جورجمقدسي، تلميذ لاوست، والذي كان أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي (ت
Religion
ونراه في الفصل الثاني من كتابه يخوض عميقا في المدارس النظامية وتأسيسها، ويدحض دعوى جولدتسيهر أنها كانت مخصصة لتدريس المذهب الأشعري، ليؤكد مقدسي أنها لم تكن إلا لتدريس الفقه الشافعي، وأن استمرار تطور الفكر الكلامي لم يكن مرهونا بتلك المدارس
Religion
وكان الفصل الث في الكتاب المذكور مخصصا للحديث عن الحنابلة والصوفية، إذ الشائع، ربما، عند بعض المستشرقين، أن الحنابلة كانوا خصوما للصوفية
Religion
ويختم كتابه بالفصل الرابع الأرثوذوكسية الإسلامية (أهل السنة والجماعة)، والذي انشغل فيه بالرد، أيضا، على جولدتسيهر الحاضر في مناقشة مقدسي في الكتاب كله
Religion
ومراد مقدسي في هذا الفصل أن يثبت خطأ جولدتسيهر فيما أطلق عليه أنه أرثوذوكسية قديمة (الحنابلة/أهل الأثر)، في مواجهة أرثوذوكسية رسمية (الأشعرية/أهل الكلام)، بناء على دعواه أن العقيدة الأشعرية اعتمدت رسميا على يد السلاجقة (وقد نقضها مقدسي في الفصل الث)، وما زعمه جولدتسيهر من كون الأرثوذوكسية القديمة متحجرة وجامدة وغير متسامحة ضاربا ابن تيمية نموذجا على هذا التشدد الحنبلي، في حين يرد مقدسي، في سبيل إثبات خطأ جولدتسيهر، بابن تيمية نفسه الذي تكفي قراءة كتابه ‘منهاجالسنة’ حتى يتبين لنا أن آراءه ليست على ذلك الجانب المزعوم من التعصب والإقصائية
Religion
واضح، إذا، أن هدف مقدسي كان، بالفعل، بيان ما هو متخيل وزائف عند اتجاه استشراقي محدد، لكن هذا المتخيل منصب على هذه النقاط التي ألف كتابه المهم من أجلها، ولم يكتب كتابه هذا لبيان ما هو متخيل داخل دائرة الحنابلة أنفسهم، عن السلف الصالح، وعن أحمد بن حنبل نفسه
Religion
تظهر لنا بعد جورجمقدسي دراسة جادة ومهمة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلامي للمستشرق مايكل كوك
Religion
أفرد مقدسي القسم الثاني من كتابه لأحمد بن حنبل والحنابلة، وخصصالفصل الخامس لأحمد بن حنبل، ولئن كان الباحث مشغولا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند ابن حنبل والحنابلة نظرية وتطبيقا، دون غيرها من المسائل، في مراحل المذهب الحنبلي الحاسمة، فقد لفت الانتباه إلى تناقض نصوصأحمد المنقولة وتضاربها، وهو أمر واضح للعيان، ولا أدل على ذلك من أن المذهب الحنبلي نفسه لا تكاد تخلو فيه مسألة فقهية من روايتين فأكثر عن ابن حنبل
Religion
كتب كوك جملة تختصر الكثير حين قال: كما رفض معاصروه تركه يعيش بسلام، فرض عليه أتباعه لاحقا دورا لم يسع إليه أبدا: دور مؤسس فرقة ذات مذهب محدد بدقة، وميالة إلى العنف
Religion
ولئن كان الباحث قد وفق في بيان التطور الحنبلي في التعامل مع منكرات المجتمع والسلطة، فإنه لم يكن معنيا ببيان تصور الحنابلة المتخيل لا للسلف، ولا لأحمد بن حنبل
Religion
وقد تناول الباحث موقف حنابلة دمشق من السلطة والمجتمع في الفصل السابع، ووقف عند حنابلة نجد والوهابية في الفصل الثامن، ولكنه أيضا لم يعن بتصورهم للسلف ولأحمد بن حنبل تخيليا
Religion
في كتابه أحمد بن حنبل وتشكل المذهب الحنبلي يفجؤنا الباحث نيمرود هورويتز، في مقدمته، ببعض الإطلاقات الجسورة، إذ يرى أن مركز ابن حنبل كسلطة دينية، أو كقائد أو زعيم سياسي قد وضعه في قلب الأحداث المفصلية
Religion
يرى هورويتز أن سبب المحنة يقوم على نزاع بين طائفتين من العلماء؛ طائفة الفقهاء والمتكلمين، وطائفة المحدثين وأن هذا النزاع قديم، لكن المأمون اقتحمه على خلاف سابقيه من الخلفاء، من حيث الخليفة راع للدنيا والدين؛ كما صرح في رسائله التي اعتمدها هورويتز وركز فيها، وأن طائفة المحدثين قد اضطهدوا المتكلمين، ولم يعتمدوا على الدولة في صراعهم معهم، لكن موقف المأمون الثقافي والأيديولوجي (وليس السياسي) وضعه في صف المتكلمين وعسكرهم مباشرة، وعلى الرغم من افتقار ادعائه اضطهاد المحدثين للمتكلمين إلى دليل، فإن هورويتز في تقريره هذا الاستنتاجينأى بالمحنة عن أن تكون لأسباب سياسية/اجتماعية
Religion
غير أني أخالف هورويتز في استنتاجاته، وأوردت في هذا الكتاب سردا تاريخيا وتحليلا يرسم لك صورة وافية عما أراه حقيقة النزاع، وأنه نزاع سياجتماعي يلبس لبوس الدين والعقائد
Religion
وفوق هذا وذاك نجده ينقل عن كتب منسوبة إلى أحمد بن حنبل، أثبت في هذا الكتاب أنها ليست له، وأنها من مصادر أحمد بن حنبل المتخيل
Religion
لا تسع هذه المساحة لتناول كل ما جاء في كتاب هورويتز، غير أن موضوع الكتاب خارجفي جملته عن موضوع كتابي، وكتابه مهم من دون شك، وقد قام فيه باستقراء نصوصي وتاريخي مضن
Religion
أما الدراسات العربية فما أكثر الكتب والدراسات التي تناولت أحمد بن حنبل والحنابلة! غير أن من أبرزها كتاب ابن حنبل: حياته وعصرهآراؤه وفقهه للعلامة محمد أبو زهرة
Religion
وليس هذا الكتاب متجها إلى ما نتجه إليه في هذا البحث، فلم يعن بالمتخيل، ولكنه عمد إلى ترجمة وافية لأحمد بن حنبل، من كتاب مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي غالبا، ولم يرجع إلى كتب المسائل التي دونها أصحابه المباشرون، ربما لأنها لم تكن قد حققت وقتها، ومن كتاب المناقب لابن الجوزي استقى غير قليل من معلوماته عن مذهب أحمد وآرائه
Religion
ونراه يسير على وفق ما هو متخيل مما نقضه ابن تيمية وخالفه (وهو الشيخ الحنبلي)، وقد تناولناه في كتابنا هذا، من أن المحنة لم تكن إلا بتأثير المعتزلة وإيحائهم وتزيينهم
Religion
ويقرر أبو زهرة أن أحمد بن حنبل كان نائيا كل النأي عن العمل السياسي، بل حتى عن الاتصال بأي صورة من الصور بالخلفاء، حتى لو على سبيل النصح والأمر والنهي، وهو عين ما توصلنا إليه في بحثنا هذا
Religion
أما تفصيل منهجه وهو ما استغرق القسم الثاني من الكتاب، فقد أفاض فيه في القول، وأنعم النظر، وتناوله تناول الفقيه العارف بالمذاهب، وهو كتاب مهم من دون شك
Religion
يحتل كتاب المحنة: بحث في جدلية الديني والسياسي في الإسلام منزلة مهمة في الكتب التي تناولت المحنة تاريخيا، فهو أوسع الكتب في المحنة، وأسبابها، وتاريخها، وقد ملأه فهمي جدعان بالنصوص، وجمع شواردها، وألف بينها تأليفا متينا، ووضع يده فيه على بعض المتخيل، فأخرجالمعتزلة من أن يكونوا هم منشئي المحنة والمحرضين عليها وأصحاب فكرتها، وقد خالفته في جزئيات تجدها في ثنايا هذا البحث
Religion
أخيرا، لا يفوتني أن أثني جزيلا على المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة الذي أتاح لي فرصة العمل على المشروع، ومنحني مدة أتفرغ فيها لإتمام هذا العمل وإنجازه، بحرية تامة، وهي سياسة المركز المتبعة دائما
Religion
والشكر لمدير قسم الأبحاث في المركز الأستاذ جمال باروت الذي أفدت منه بحوارات معمقة شيئا من ضروب القراءة التاريخية، والذي لم يبخل بالإجابة عن أي سؤال واستفسار ولا سيما في مناهجالبحث التاريخي
Religion
والشكر لزملائي المحررين في المركز، في فرعيه في الدوحة وبيروت، ولا سيما السيدة آمال فياش، والسيدة تيريز سركيس، والسيد نبيل حسين، وكل من ساهم في العمل على هذا السفر
Religion
وكان لملاحظات الصديق الكويتي، الشيخ الحنبلي المختصاصا دقيقا بمذهب الحنابلة؛ الباحث الأستاذ فواز البرازي دور مهم وقيم في لفت الانتباه إلى نقاط مهمة في غضون هذا البحث، وإلى انتقادات دقيقة أخذت ببعضها، كما دلني على بعض المصادر الحنبلية الصميم فجزاه الله عني خيرا
Religion
وبعد، فمن طبائع البشر الخطأ والنسيان والسهو؛ فما كان في هذا الكتاب من سهو أو خطأ أو خلل في الشكل أو في المضمون، فهو مسؤوليتي وحدي، ما أسهل الاعتراف به والتراجع عنه، والكمال لوجه الله الكريم
Religion
﴿تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون﴾ (البقرة: 134)
Religion
يدل أصل س ل ف، كما يقول ابن فارس (ت
Religion
ولاقت مناياها القرون السوالف
Religion
وتسمى المرأة التي بلغت خمسا وأربعين سنة مسلفا، كما ذكر أبو عبيد القاسم بن سلام (ت
Religion
إلى السلف الماضي وآخر سائر
Religion
فهذا ما يدور حوله لفظ السلف فيما نحن بصدده؛ فلا يدل اللفظ بمجرده، على مدح ولا على ذم، أي إنه لفظ محايد، لا يحمل أي قيمة له في ذاته
Religion
وفي القرآن الكريم وردت ألفاظ من جذر س ل ف، على ما يقتضيه المعنى اللغوي المجرد الدال على السبق والتقدم، في ثمانية مواضع في القرآن، منها: ﴿فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله﴾ (البقرة: 275)، و﴿ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف﴾ (النساء: 22)، و﴿عفا الله عما سلف﴾ (المائدة: 95)، و﴿قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف﴾ (الأنفال: 38)، و﴿هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت﴾ (يونس: 30)، و﴿فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين﴾ (الزخرف: 56)
Religion
لكن الآية الوحيدة في القرآن التي فيها جذر س ل ف، للدلالة على جماعة متقدمين، من دون أي حكم قيمي، هي الآية الأخيرة؛ ففي تفسير مجاهد (ت
Religion
لعل من المهم، قبل الوجفي البحث عن لفظة السلف ودلاتها وتطورها عبر التاريخ، أن أعرجعلى دلين كليين اعتمدهما الأصوليون؛ الأول الإجماع، والثاني ما يسمى قول الصحابي، أو مذهب الصحابي، ثم قول التابعي
Religion
من المعلوم أن الأدلة الإجمالية الكبرى المتفق عليها، عند أهل السنة عموما: القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس
Religion
لكن ما يهمنا هنا هو إجماع الصحابة، وإجماع التابعين، ثم قول الصحابي والتابعي؛ لأن ذلك يعين على تمييز المتخيل مما نحن مشغولون بالبحث فيه
Religion
اختلف الأصوليون (أي علماء أصول الفقه) في تعريف الإجماع اختلافا كثيرا، وفي أركانه، وشروطه، وأحكامه
Religion
ولعل الإمام أبا حنيفة النعمان (ت
Religion
وأما الإمام مالك بن أنس (ت
Religion
وأما الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت
Religion
وأما الإمام أحمد بن حنبل (ت
Religion
هذا عرض موجز لأقوال أئمة المذاهب الأربعة، لم تخل على مر العصور من تأويل واجتهاد لعلماء الأصول، نذكر فيما يأتي، على وفق الترتيب الزمني غالبا، مقتطفات تبين لنا خلافهم في الإجماع
Religion
ينقل أبو بكر الجصالحنفي (ت
Religion
أما أبو علي الحسن العكبري الحنبلي (ت
Religion
أما ابن حزم الظاهري (ت
Religion
أما أبو حامد الغزالي (ت
Religion
ويحسن بنا هنا أن نعرجعلى ابن رشد المالكي الحفيد (ت
Religion
• أن ما اشترك في علمه العامة والخاصة، من الإجماع المنقول تواترا كافة عن كافة، لا جدال فيه ولا خلاف، وهذا لا يتحقق إلا في مجملات الدين ومجملات الفرائض
Religion
• وأن إجماع مجتهدي عصر من العصور، عند القائلين به، لا يقتصر على عصر الصحابة، والتابعين، وتابعيهم، بل هو، عندهم، حجة في أي عصر كان
Religion
• أما الخلاف ففي أنواع أخرى من الإجماع، ولا أرى أن من المهم، إذا تبين ما هو الإجماع المتفق عليه، وإذا ظهر أن ما سواه موطن خلاف؛ أن أخوض في بقية أنواع الإجماع التي لا تقوم إلا على التراجيح والأظانين، كإجماع الخاصة سواء أكانوا آل البيت عند الزيدية، أو المحدثين عند أهل الحديث، أو عمل أهل المدينة، أو الإجماع السكوتي، وغير ذلك
Religion
وقد تكلم غير واحد عن مراتب الإجماع، منهم ابن حزم الظاهري، وله كتاب في هذا
Religion
وبعد أن علمنا مواقف أئمة المذاهب، وعلماء الأصول من الإجماع، وخلافهم المستفيض فيه، وذكرنا من ذلك نماذجليس من شأننا فيها الإحاطة؛ نتساءل: ماذا عن قول الصحابي والتابعي في ما عدا الإجماع؟ أي في المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الاختلاف؟ وماذا عن حجية قول الصحابي، وحجية قول التابعي؟ أما قول التابعي فليس بحجة أصلا، وهو خارجعن محل النظر في هذا المبحث
Religion
وأرى، قبل الوجإلى الحديث عن قول الصحابي، أن من الملائم أن أقدم بما هو أبلغ من الرأي الاجتهادي؛ وأعني رواية الصحابي ما سمعه (أو ظن أنه سمعه) من النبي، أو ما أرسله عن صحابي آخر مرفوعا إلى النبي
Religion
تفاوتت مواقف الأئمة الأربعة من خبر الآحاد، أي الحديث الذي هو دون المتواتر، مهما تعددت رواياته
Religion
ليس هناك نصوصصريحة لا يعتريها الشك منقولة قطعا عن أبي حنيفة لنعلم موقفه على التحقيق من خبر الآحاد في الجملة، إلا أننا نعلم موقف أهل الحديث الشهير، منه ومن أهل الرأي على العموم، لأن أهل الرأي (وأبو حنيفة زعيمهم) يتشددون في قبول الحديث، ويعطلون الخبر الآحادي بناء على أصولهم، ويقدمون أصولهم على خبر الواحد، ومن هنا فقد ردوا كثيرا من السنة، التي يأخذ بها المحدثون ويرونها ملزمة
Religion
ولئن كان الحصول على نصلأبي حنيفة ليس من اليسير، إلا شذرة من هنا، وقطعة من هناك؛ ففي الإمكان النظر في كتب الحنفية أنفسهم؛ لأخذ نماذج فقط، تبين لنا كيف كانوا يتعاملون مع روايات الأفراد من الصحابة بإزاء أصولهم، على أساس أن هذا مذهب أبي حنيفة، أو مخرجعلى اجتهاده
Religion
يشترط الحنفية شروطا مشددة لقبول خبر الواحد؛ فمن ذلك مثلا:
Religion
ألا يخالف خبر الواحد السنة الثابتة أو القرآن فيما لا يحتمل التأويل
Religion
ألا يخالف عمومات القرآن مما لا يعرفه العامة
Religion
• ألا يكون شاذا، أي أن يكون مرويا ولكن المعمول به على خلافه، وهو ما يسمى ما تتوافر الدواعي لنقله تواترا ولكنه لم ينقل إلا آحادا؛ ذاك أنه إذا كانت هناك حاجة عامة تستدعي أن يكون هذا الخبر مشتهرا متواترا عاما معروفا، فكيف يجوز في العقل ألا يرويه إلا أفراد آحاد؟ مع أن الدواعي متوافرة لنقله تواترا؟ وإذا فهو مردود (ومن ذلك، أخبار الخلافة، ومن يلي الأمر بعد رسول الله، وغير ذلك، مما روي آحادا ولكن كان ينبغي أن يكون متواترا لشديد الحاجة وعموم البلوى)
Religion
ويرى الجصاصأن رواية الصحابي، أو ما يسمى خبر الواحد، يمكن أن تخصص ما ورد عاما في القرآن والحديث، بشرط أن يكون في اللفظ العام احتمال للمعاني، أو كان مختلفا فيه، أما العام الذي ثبت تخصيصه إجماعا، أو كان معناه بينا واضحا فلا يقبل خبر الواحد في تخصيصه
Religion