Datasets:

dru-ac
/

ArTopicDS-Books

Dataset card Data Studio Files Files and versions Community

Split (1)

train · 21.2k rows

text stringlengths 1 2.38k	en_topic stringclasses 10 values
ولا بد من التمييز بين رواة أخبار الآحاد، فقد ذكر العلامة الشاشي الحنفي (من رجال القرن السابع على الأرجح)، على سبيل المثال، أن رواية الصحابي المجتهد المعروف بالفتيا، مثل الخلفاء الأربعة، وعبدالله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبدالله بن عباس، ومعاذ بن جبل؛ مقدمة على القياس	Religion
ونجد الشاشي، أيضا، ينقل عن علي بن أبي طالب، على جهة التأييد والاستشهاد، أنه يقسم الرواة عن النبي، أي من جيل الصحابة، ثلاثة أقسام: مؤمن مخلصصحب النبي صلى الله عليه وسلم وعرف معنى كلامه، وأعرابي سمع من النبي ما سمع فرجع إلى قبيلته يروي بغير اللفظ الذي سمعه فتغير المعنى، ومنافق لم يعلم نفاقه، فروى ما لم يسمع، وافترى، فسمع منه أناس يظنونه مؤمنا مخلصا فرووا ذلك واشتهر بين الناس	Religion
فليس جميع من يطلق عليه أنه صحابي هو، عند جميع علماء الأمة، كذلك، لأنه، فقط، رأى النبي؛ فهناك أعراب رأوا النبي ولم يصحبوه ولا تؤخذ منهم الرواية، وهناك قوم صحبوه ولكنهم منافقون يتزيدون ويفترون، بحسب هذا النصالمنقول، والذي يميل إليه الشاشي بوضوح	Religion
ويرى الشاشي أن السنة هي الطريقة المسلوكة المرضية في باب الدين، سواء كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من الصحابة، ويستدل بحديث: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي	Religion
أما الإمام مالك بن أنس فتغني شهرة مذهبه في إجماع أهل المدينة، وتقديمه على خبر الواحد والقياس، عن إفاضة القول فيه، بغض النظر عن الخلاف المالكي حول المقصود بعمل أهل المدينة، هل المقصود به الإجماع النقلي؟ أم الاجتهادي؟ ومن المعلوم، مثلا، أن مالك بن أنس رد أحاديث، هي مما يطبقه الناس اليوم، بل هي اليوم من أشد الأحاديث شهرة في الأمة، حتى إن عموم الناس لايعقلون غيرها، وبعضها في العبادات المحضة، لأنها لم يكن عليها العمل، ومن ذلك مثلا، ما ذكره سحنون بن سعيد (تلميذ الإمام مالك، ت	Religion
أما الإمام محمد بن إدريس الشافعي، فهو ممن يثبت خبر الواحد ويحتجبه، ويرد على من ينكره، في كتبه: الرسالة، وجماع العلم، واختلاف الحديث	Religion
والطوائف التي واجهها الشافعي من الفقهاء والعلماء ليثبت حجية خبر الآحاد قسمان رئيسان: قوم يردون الأخبار كلها حتى ما ورد تفصيلا لبيان القرآن كأخبار تفاصيل الصلوات الخمس فضلا عن غيرها (ولم يستفض الشافعي في الرد على هذا القسم)، وقوم يقبلون ما فيه قرآن ويرفضون غيره، وبعضهم مثلا رد أحاديث رجم الزاني المحصن، ومع هذا فقد سماهم الشافعي علماء	Religion
وقد قسم الشافعي الأخبار إلى قسمين: خبر عامة، كالصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، وغير ذلك، لا يسع الجهل به ولا خلافه (وهو المتواتر تواترا عاما يعرفه كل مسلم)، وخبر خاصة (وهو أخبار الآحاد التي يختصبمعرفتها العلماء)	Religion
ومع هذا، فقد أشار الشافعي إلى أنه تختلف الأحاديث، فآخذ ببعضها، استدلا بكتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، وأنه لا يقبل رواية الراوي إذا كان غير عاقل للحديث، وهو، في هذه النقطة، شبيه بمذهب الحنفية	Religion
فمن روى حديثا بشرائطه، وإن كان من صغار الصحابة، كأبي سعيد الخدري، وعبدالله بن عمر كانت روايته مقدمة على قول الصحابي ومذهبه ورأيه وإن كان من المتقدمين السابقين الكبار	Religion
أما عن الاحتجاجبقول الصحابي ومذهبه واجتهاده وفتياه، فقد قدمنا أنه من الأصول المختلف فيها، أي إن من العلماء من يراه أصلا كليا يعتمده عند الاستدلال، ومنهم من يراه أصلا بشروط، ومنهم من لا يراه أصلا البتة، ولا يعد قول أحدهم حجة كائنا من كان، ومن أراد التوسع وجد ذلك كله في مطولات كتب أصول الفقه	Religion
ولا تخلو أقوال الصحابة من احتمالين: أن يكونوا قد اختلفوا؛ فليس قول بعضهم حجة على بعض، بل وجب الاجتهاد، أو يكون بعضهم قال القول فلم يكن له مخالف، وهذا القول إما أن يكون قد اشتهر وحينئذ يراه بعضهم إجماعا سكوتيا، وقد ذكرت موقف الشافعي ثم ابن حزم من هذا الإجماع المتخيل، أو يكون لم يشتهر، وهذا هو موطن الكلام هنا	Religion
لم أجد لأبي حنيفة، بحسب قدرتي واجتهادي، في قول الصحابي إذا انفرد، نصا في أي مدونة من المدونات المعاصرة له، ولا التي تليها، ولكنه موجود في بعض مدونات القرنين الرابع والخامس الهجريين، فمن ذلك قوله: آخذ بكتاب الله، فما لم أجد فبسنة رسول الله، فإن لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله، أخذت بقول أصحابه، آخذ بقول من شئت منهم، وأدع من شئت منهم، ولا أخرجمن قولهم إلى قول غيرهم، فأما إذا انتهى الأمر، أو جاء إلى إبراهيم، والشعبي، وابن سيرين، والحسن، وعطاء، وسعيد بن المسيب، وعدد رجالا، فقوم اجتهدوا فأجتهد كما اجتهدوا	Religion
لكن أخذ أبي حنيفة بمذاهب الصحابة وأقوالهم لا يعني، بالضرورة، أنه يجعلها أصلا في الاحتجاجفي ما دون الإجماع، ولكن كان من مذهبه، كما يقول الجصاص، أن من كان من أهل الاجتهاد، فله تقليد غيره من العلماء، أي إنه يجيز تقليد أحد الصحابة، ولا يوجبه، ولا يجعله أصلا من أصوله	Religion
ويجيز الجصاص أن يكون قول الصحابي وقول التابعي معيارا في تحديد تاريخ الحكم الناسخ، والحكم المنسوخ	Religion
أما مالك بن أنس فلا نصله صريحا على أنه يعد قول الصحابي حجة، غير أن فعله في الموطأ يدل على أنه يعتمد قول الصحابي	Religion
أما الشافعي فهو كبقية العلماء في أقوال الصحابة إذا خالف بعضها بعضا، من حيث أقوالهم الاجتهادية ليست حجة لبعضهم على بعض إلا ما اعتمد على الدليل، فيكون الأصل هو الدليل هنا وليس قول الصحابي، أما من حيث الانفراد، فقد سبق أن نقلت موقفه من الإجماع السكوتي، بحيث ينسب إلى كل صحابي قوله، ولا ينسب إلى ساكت قول، والشافعية مختلفون من بعده، فمنهم من يرى أن قول الصحابي، إذا انفرد ولم يعلم له مخالف، ليس بحجة، ومنهم من يراه حجة، ومنهم من يقول إن هناك تطورا في فكر الشافعي؛ إذ كان يأخذ بقول الصحابي في مذهبه القديم، ثم رجع عن ذلك في مذهبه الجديد	Religion
وبعد؛ فنخلص مما سبق إلى:	Religion
• أن المتواتر العام متفق عليه، كالصلوات الخمس، وصوم رمضان، وسائر مجملات الفرائض	Religion
• أنه وإن كان هناك اتفاق مبدئي في قبول خبر الآحاد ورواية الصحابة فإن هناك خلافا حقيا في قبوله، وشروطا تتفاوت بين الشدة والتيسير في ذلك	Religion
• أن قول الصحابي مختلف في حجيته ابتداء، وأن فيه عن أتباع المدارس الأصولية خلافا واضحا في فهم الأتباع لمذهب إمامهم	Religion
وإذ قد بينا، لا على سبيل التقصي ولكن على سبيل ضرب المثال، ما في هاتين المسألتين من خلاف في الاحتجاجأصلا، لما لهما من علاقة وطيدة بالاعتماد على منهجالسلف، فقد آن أن نتحدث عن لفظة السلف نفسها، وعن تطور دلاتها عبر العصور	Religion
إذا ما أردنا رصد التطور الدلالي لهذا اللفظ، قرنا فقرنا، على قدر الوسع والطاقة، وانتقاله من المعنى اللغوي، إلى المعنى الاصطلاحي العقائدي؛ فسنجد أن المدونة الأولى، على الإطلاق، التي أوردت لفظة السلف لا ينتمي صاحبها لا إلى أهل الحديث ولا إلى أهل الفقه، ولكنه ينتمي إلى زمرة الكتاب والمترجمين والمناطقة؛ أعني عبدالله بن المقفع المقتول على الزندقة (ت	Religion
واضح هنا أن لفظ السلف في القرن الأول الهجري (إذا سلمنا بصحة الخبر، وألغينا كل احتمال في أن يكون جرى تصرف في الرواية، لأنهم يجيزون الرواية بالمعنى عن النبي فضلا عن الصحابة والتابعين)، أطلقه تابعي كبير (سيصبح هو فيما بعد من جملة السلف، ولا ندري إن كان قد وقع في ظنه أنه سيأتي أناس يجعلونه هو نفسه سلفا يقتدى به)، على بعض الصحابة المتقدمين، الذين ماتوا قبل الصحابي أنس بن مالك	Religion
وكذلك في الموطأ للإمام مالك بن أنس في مسألة تتعلق بصيام ستة أيام من شوال، فيها استدلال وحجاجما، أنه لم ير أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغه صيامها عن أحد من السلف، وأيضا يفهم من هذا النصأنه يعني بالسلف الصحابة (قبل أن يصبح مالك بن أنس بنفسه سلفا من جملة السلف فيما بعد)، لأن أهل العلم والفقه الذين رآهم إنما كانوا هم التابعين؛ ذاك أن مالكا يعد من تابعي التابعين	Religion
ولم يرد للفظة ذكر البتة في كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف (ت	Religion
وفي كتاب الكسب لمحمد بن الحسن الشيباني (ت	Religion
ولم ترد هذه اللفظة البتة في كتاب التحريش لضرار بن عمرو الكوفي (ت	Religion
وعلى أن مسند الإمام الشافعي خلا من ذكر هذه اللفظة، فإنه ذكرها في كتابه الشهير الرسالة قاصدا بها الصحابة (وليس التابعين)، ذاكرا بعض الأسماء كعائشة، وزيد بن ثابت، وابن عمر	Religion
هذا ما استطعت استقراءه، على قدر الجهد والطاقة، في المدونات الحديثية والفقهية، استقراء تاما أو شبه تام، وأتيت بنماذجله، لأستنتجما يأتي:	Religion
• أن لفظة السلف ترددت بين المعنى اللغوي المجرد، والدلالة على جيل الصحابة تحديدا، ولم تصل بعد إلى أن تكون ذات معنى اصطلاحي عقائدي	Religion
• وأن هذه اللفظة لا تحضر إلا لما في ثنايا الكتب، تجدها المرة البعيدة بعد المرة البعيدة، وفي درجالكلام، ولا تحضر مقصودة لذاتها، ولا على سبيل الحجاج، وإن حضرت للحجاجفلا تحضر إلا على استحياء	Religion
• وأنه لا وجود، في تلك المدونات، ل حزمة عقائد، وآراء فقهية، ووصفات معلبة وجاهزة وناجزة، معدودة في متون مختصرة، تسمى منهجالسلف أو مذهب السلف	Religion
• وأنه لا تعريف اصطلاحيا، لا مباشرا واضحا، ولا غير مباشر على سبيل غلبة الظن، يحدد ما المقصود بلفظ السلف في تلك العصور، وإنما تجري على المعنى اللغوي في الغالب	Religion
• وأنه يقصد بها، غالبا، الصحابة دون التابعين وتابعيهم؛ أي إنها لم تتسع لغير الصحابة، كما هو ظاهر	Religion
في إمكاننا، باستقراء المدونات الحديثية والفقهية منذ أوائل القرن الث، وحتى منتصفه (أي عصر أحمد بن حنبل) أن نجد تطورا دلاليا طفيفا، في مفهوم السلف يشمل الصحابة والتابعين وربما تابعيهم، ولعل هذا بسبب تقدم الزمان، وكون من سبق سلفا بالمعنى اللغوي، لمن لحق؛ ما يهيئ، فيما بعد، انضمامهم إلى اللفظة حين تستوي معنى اصطلاحيا راسخا كما سنرى	Religion
ومن اللافت، بل المفاجئ لي أنا شخصيا، أن أحمد بن حنبل، لم يورد هذه اللفظة (أي السلف) في جميع كتب المسائل التي رواها عنه تلاميذه المباشرون، على الرغم من البحث والتنقيب، إلا روايات شاردة نسبت إليه، ذكرت أول مرة في مصادر تنتمي إلى القرنين الرابع والخامس الهجريين؛ ما يعني أن لفظة السلف لم تكن حاضرة البتة عنده، وهي في هذه النصوص الشاردة تارة تعني الصحابة تحديدا، وتارة ترد على الإطلاق (أئمة السلف)	Religion
أما المفاجأة الأخرى، لي أنا شخصيا، فهي أن لفظة السلف ترددت عند اثنين من خصوم أحمد بن حنبل؛ هما معاصراه: الحارث المحاسبي (وهو فقيه، ومتكلم، وصوفي، ت	Religion
أما الحارث المحاسبي، فيبدو أن أحمد بن حنبل كان فيه سيئ الرأي، يتهمه بأنه جهمي، وأنه أصل كل بلية، إلا أن كل النصوصالتي وجدتها في رأي أحمد عنه دونت في القرنين الخامس والسادس الهجريين	Religion
ذكر الحارث المحاسبي لفظة السلف في كتابه الوصايا اثنتي عشرة مرة	Religion
أما الجاحظ فيبوب في كتابه البيان والتبيين با عن الخطب القصار من خطب السلف، مازجا الصحابة بالتابعين، والسوقة بالملوك كعبدالملك بن مروان، والحجاجبن يوسف الثقفي، لكن هذا ليس في سياق الاستدلال، ولا في سياق الحجالديني، بل في سياق الخطابة والأدب	Religion
لكنه في سياق مهاجمة الشعوبية، يحتجب السلف المتقدمين، والجلة من التابعين، في تفريق واضح بين السلف الذين هم عنده الصحابة، وتمييزهم من التابعين	Religion
وهو يعظ بعضهم بأنه لو انشغل بما هو أجدى له لكان أقرب إلى عادة السلف، وسيرة الأولين	Religion
أما من المحدثين فقد وجدت لفظة السلف عند الإمام البخاري (ت	Religion
وفي مقام حجاجي يقرر البخاري أن من زعم أن رفع اليدين في الصلاة بدعة فقد طعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف، ومن بعدهم	Religion
وفي صحيح مسلم (ت	Religion
وبعد هذا الاستعراض الموجز، أستنتجما يأتي:	Religion
• واضح أن هذا العصر عصر بداية توسيع دلالة السلف ليشمل الصحابة، غالبا، وتابعيهم، ويتوسع ليشمل تابعي التابعين، ومن بعدهم أحيانا	Religion
• وواضح أن الذين رددوا لفظة السلف ليسوا فقط من المحدثين الذين لم يعرفوا إلا بعلم الحديث، بل هم إما فقهاء ولغويون كأبي عبيد القاسم بن سلام، وإما صوفية كالحارث المحاسبي، وإما متكلمون كالجاحظ (وأحب أن أذكر هنا أن أول مدونة وردت فيها لفظة السلف هي ما كتبه ابن المقفع الذي كان كاتبا ومترجما ومنطيقا، لم يعرف بحديث ولا فقه ولا علم كلام)	Religion
• وظاهر أن مصطلح السلف بدأ يتخذ بداية نضجه، واستعماله على جهة التعميم في الاحتجاجفي بوادر أولى، ليست على طريقة الأصوليين، ولكن على طريقة أخرى تتجه إلى التعميم غير الدقيق، كما رأينا عند البخاري، ليتكامل لاحقا بعد عصر أحمد بن حنبل، كما سيأتي في حينه	Religion
ومع هذا فلفظة السلف لم تكن حاضرة البتة عند أحمد بن حنبل، بغض النظر عن استدلاله بالصحابة والتابعين فنحن نتكلم عن اللفظة واستعمالها	Religion
وإذا كنا قد علمنا، إذا، أن مصطلح السلف شمل الصحابة والتابعين وتابعيهم، في هذه الحقبة، فأرى أن من الملائم ذكر حقبة تلك القرون الثلاثة؛ الصحابة والتابعين وتابعيهم، من حيث انطباق لفظة السلف عليهم، ومدى صحة تثبيت تلك القرون مرجعا للاحتجاجوالاستدلال	Religion
تترسخ نظرية القرون الثلاثة في الحديث الذي رواه الشافعي في كتابيه الرسالة وجماع العلم بهذا اللفظ، عن عمر بن الخطاب: أكرموا أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب، حتى إن الرجل ليحلف ولا يستحلف، ويشهد ولا يستشهد، ألا فمن سره بحة الجنة فليلزم الجماعة	Religion
ثم نجد الحديث عند أحمد بن حنبل في مسنده: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي بعد ذلك قوم تسبق شهاداتهم أيمانهم، وأيمانهم شهاداتهم	Religion
ولا نستطيع الجزم بأن هذا الحديث كان مجهولا البتة قبل ذلك العصر (أعني أواسط الث الأول من القرن الث)، لكن ربما لم تتوافر الدواعي لتقييده في القرن الأول والثاني كما توافرت لتقييد بعض الأحاديث، مبكرا، في فضائل قريش ربما	Religion
ذكرت الخيرية في القرآن غير مربوطة بعصر ولا زمان، بل بعمل أخلاقي؛ ففي الآية القرآنية: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾ (آل عمران: 110)	Religion
فالمعروف والمنكر يلخصهما حديث نبوي شهير: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ	Religion
وما دام هناك سعي لتطبيق هذا الحسن، ولنفي ذاك السيئ فهذا هو مناط الخيرية، أي قيام المجتمع، أو قيام الأمة بالسعي لتثبيت المعروف الحسن، ومقاومة المنكر السيئ	Religion
وقد وردت أحاديث كثيرة في إنزال الخيرية على الأخلاق والأعمال الصالحة، هي من الشهرة بحيث تغنينا عن إيرادها في هذا المبحث	Religion
وبهذا يمكن، من دون أي تكلف ولجاجوجدال وتأويلات معتسفة، فهم حديث خير القرون	Religion
وهو ما يؤكد أن هذه الخيرية لا يقصد بها إلا الخيرية الأخلاقية، ولا علاقة لها البتة بمسائل الإفتاء والاجتهاد والاعتقادات التي تختلف فيها طوائف المسلمين	Religion
بل يدل على هذا، أصلا، تبويبات معظم أصحاب الكتب الستة أنفسهم لهذا الحديث، فالبخاري يورد هذا الحديث تحت باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، وهي مسألة أخلاقية، وتحت باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا متعلق، بنصالحديث، بالأخلاق، وتحت باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، وهي مسألة أخلاقية، كذلك، وتحت باب إثم من لا يفي بالنذر	Religion
أما مسلم فأخرجهذا الحديث تحت باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم؛ وهي فضائل أخلاقية	Religion
وبهذا نخلصإلى أن أصحاب المدونات الحديثية الرئيسة إنما أوردوا هذا الحديث في سياق بيان أفضلية الصحابة، وللاستدلال به في خيرية الجيل الأول، وأحيانا من يليهم، أخلاقيا (الصدق والأمانة والشهادة بالحق والوفاء، وغير ذلك)	Religion
لما كان حديث خير القرون حديثا أخلاقيا، متعلقا بالأيمان (جمع يمين)، والعدالة، والصدق، والزهد في الدنيا، والشهادة بالحق، نجد أن العلماء استشهدوا به في عدة قضايا، نذكرها على سبيل المثال لا على سبيل الاستقصاء:	Religion
هنا يرى الجصاصأن من قال من السلف بعدالة الشاهد إذا كان ظاهره الإسلام، من دون حاجة إلى التقصي عنه؛ فإنما بنى هذا على أحوال الناس في زمنه، لأن عصور السلف أي القرون المفضلة شهد لها النبي وزكاها، وحينئذ فالأصل في أهلها العدالة حتى يثبت الفسق، وكذلك الكاساني، وفي مسألة جواز التبرع بالشهادة، إذا كانت في حق، من دون استدعاء الشاهد عند الماوردي (ت	Religion
تحول هذا الحديث من تثبيت فضل الصحابة أخلاقيا للاقتداء بهم في الصدق والنزاهة والزهد في الدنيا (وهل كانوا كلهم زهادا؟) إلى الاستدلال الطائفي للرد على الرافضة وأشباههم، وتثبيت خلافة أبي بكر وعمر وعثمان	Religion
فنجد أبا الحسن الأشعري (ت	Religion
يورد الأشعري هذا الحديث لهذا الغرض في رسالته إلى أهل الثغر الذين سألوه عن أصول الدين التي عليهم التمسك بها، وقد قال في مقدمة رسالته إنهم سألوه عن الأصول التي عول سلفنا رحمة الله عليهم عليها، وعدلوا إلى الكتاب والسنة من أجلها، فذكر ما أجمع عليه هؤلاء السلف، ومن ذلك أنهم أجمعوا على أن خير القرون قرن الصحابة، ثم الذين يلونهم، على ما قال صلى الله عليه وسلم:‘خيركم قرني’	Religion
ونجد أن هذا يستمر عند ابن أبي زمنين (ت	Religion
وفي كتاب أبي نعيم الأصفهاني (ت	Religion
وهكذا يحضر هذا الحديث باستمرار حتى يومنا هذا، ويوظف في هذا الباب العقائدي، ولا أن الغرض ليس إلا ضرب الأمثلة، وليس الاستقصاء، لكان مستحقا دراسة كاملة	Religion
لم يسلم هذا الحديث الشهير من اعتراضات بعض العلماء، ومن التفاوت في فهمه، وتفسيره، فهل المقصود بالخيرية مطلق قرن النبي؟ ومن يليهم، ومن يليهم؟ وما معنى القرن؟ أهو بمقياس الزمن (أي مئة عام)؟ أم بمقياس الجيل والطبقة؟ وكيف يمكن تحديد العمر لكل جيل؟	Religion
لئن كان هذا الحديث يقرر أن القرون الأولى هي خير القرون، ثم يفشو الكذب، ويظهر السمن، وتنتشر الأيمان الكاذبة، وغير ذلك؛ فإن أحاديث أخرى تخالف هذا الحديث، أي إنها تقول ب التسوية بين آخر القرون وأولها، فمن ذلك الحديث الشهير أيضا: مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره	Religion
وهكذا يحيل ابن عبدالبر المعنى على العمل الصالح، وعلى التمسك بقيم الدين، وليس على الجيل، ولا على الأشخاص، ولا على العقائد، بل يرى أن الأحاديث الواردة في ربط الخيرية بالأخلاق تقتضي التسوية بين أول الأمة وآخرها، وبهذا لا تكون لتلك الأعصر وأهلها سلطة، بل السلطة حقا إنما هي للأخلاق والتزام بها	Religion
ينصالعلماء على أن المراد بالقرون الفاضلة ليس كل فرد فيها، وإنما هو حكم على الجملة لا على التعيين، أي إن الغالب على تلك القرون هو هذه الخيرية الأخلاقية، فها هو ذا ابن حزم يقرر أن هذا الحديث إنما يعني أن كل قرن من هذه القرون إنما هو أفضل بالجملة من القرن الذي بعده، وبرهان ذلك أن قد كان في عصر التابعين من هو أفسق الفاسقين، كمسلم بن عقبة المري [	Religion
ويقرر ابن حزم أن من أنفق بعد الفتح وقاتل فقد كان فيهم منافقون، لم يعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف نحن؟ [	Religion
وإلى مثل هذا ذهب ابن عبدالبر فنصعلى أن هذا الحديث ليس على العموم، ليقرر أن المقصود أن قرنه عليه السلام، جملة، خير من القرن الذي يليه	Religion
وباختلاف معاني القرن، تختلف العهود المقدرة لما يسمى خير القرون، وإن كان المعنى الأقرب إلى المراد هو اختيار ابن تيمية؛ ذاك أن القرآن الكريم يؤيده، كقوله: ﴿وكم أهلكنا قبلهم من قرن﴾ (مريم: 74)، والمقصد هو الجيل، أي الناس المقترنون في الزمان	Religion
ولكل من تلك الآراء مآلات في الترجيح، بعضها يخرجكثيرا من التابعين من أن يكونوا من خير القرون، وكثيرا من المعدودين من جملة السلف	Religion
هناك مسألة أخرى أرى أن من المهم التطرق إليها؛ ما أقوال بعض الصحابة والتابعين في زمانهم؟ وكيف يحكمون على مجتمع خير القرون؟	Religion
من المعلوم أن القرن الأول الهجري شهد أحداثا جليلة، أثرت في التاريخ الإسلامي حتى هذه اللحظة، وكانت سببا كبيرا في ظهور تيارات وطوائف دينية متنازعة، كل واحدة منها ترى من يخالفها مبتدعا، وكل واحدة منها تنتمي إلى سلف لها، يعود إلى خير القرون، وهي لم تختلف في المتواتر القطعي الذي تتفق عليه جميع الطوائف، في مجملات الإيمان الواردة قطعا في القرآن الكريم، ولكن الخلاف في أشياء لا يمكن الزعم أنها ثابتة تواترا ملزما	Religion
شهد القرن الأول أحداثا هائلة، منها اغتيال ثلاثة من خلفائه (عمر وعثمان وعلي)، ومنها الحرب الأهلية التي دامت سنين عددا، بين الخليفة المنتخب علي بن أبي طالب ومن ينازعه	Religion
بل إن ابن تيمية كان يصف هذا الاقتتال الجاري بين أبناء خير القرون بأنه شبيه بحال أهل الجاهلية، فقال: كان الخير الأول النبوة، وخلافة النبوة التي لا فتنة فيها	Religion
لم يخل القرن الأول ومن دخل فيه من القرن الثاني كذلك من حدث عظيم الأثر في التاريخ الإسلامي كله حتى يوم الناس هذا؛ وهو تحويل الحكم من الشورى إلى الملك وولاية العهد، وهو الذي عبر عنه بعض الصحابة بأنه بدعة هرقلية، وأنه كسروية وقيصرية؛ لتعود الأمور إلى نظام شبيه بما كان عليه الحال في الجاهلية	Religion
حدث في ذلك العصر قتل حفيد النبي؛ الحسين بن علي، ووقعة الحرة، سنة 66ه، والتي قتل فيها الخيرة من أبناء المهاجرين والأنصار، وأبيحت المدينة وانتهكت فيها الحرمات، وكان فيه ضرب الكعبة بالمنجنيق، وقتل الصحابي عبدالله بن الزبير (الذي خرجعلى الأمويين) وصلبه، وخروجالقراء (أي العلماء والفقهاء) في ما سمي ب فتنة ابن الأشعث، وكان معه فيها مجموعة من كبار التابعين، كسعيد بن جبير الذي قتله الحجاج، والذي كان يقول: قاتلوهم على جورهم في الحكم، وخروجهم من الدين، وتجبرهم على عباد الله، وإماتتهم الصلاة، واستذلالهم المسلمين	Religion
والمقصود أن خير القرون كان زمن اقتتال وجاهلية وظلم عام	Religion
بل إن الأمر بلغ، في عهد خير القرون، إلى أن شاع تأخير الصلاة حتى يضيع وقتها المشروع، فضلا عن إتمام الصلاة والتكبير وغيرها، قال ابن تيمية: وكان ذلك يشيع في الناس فيربو في ذلك الصغير ويهرم فيه الكبير، حتى إن كثيرا من خاصة الناس لا يظن السنة إلا ذلك، فإذا جاء أمراء أحيوا السنة، عرف ذلك، واستدل على هذا بتابعي جليل، هو عكرمة (ت	Religion
فها هي الصلاة (أعظم أركان الدين) في عصر خير القرون يشيع في الناس تأخيرها عن وقتها، ويشيع في الناس عدم معرفتها على وجه صحيح، حتى ليخفى هذا على بعض الخاصة والتابعين أنفسهم الذين تصدروا للفتيا وشرح أحكام الدين	Religion
هذا، وقد أوضح ابن تيمية أن هذه الحال في تأخير الصلاة وعدم إتمامها بقيت، حتى تولى بنو العباس	Religion
ومن رجع إلى المدونات التراثية، وجد أن بعضا من أبناء خير القرون، لا يرون أن قرنهم كذلك، بل يوجهون نقدا قاسيا إلى زمانهم، أو، على الأصح، أبناء زمانهم	Religion
فهذه الصحابية عائشة بنت أبي بكر (ت	Religion
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب	Religion
يتحدثون مخانة وملاذة ويعاب قائلهم وإن لم يشعب	Religion
ثم تقول عائشة: ‘فكيف لو أدرك لبيد من نحن بين ظهرانيه؟’ قال الزهري: ‘فكيف لو أدركت عائشة من نحن بين ظهرانيه؟’، قال معمر: ‘فكيف لو أدرك الزهري من نحن بين ظهرانيه؟’	Religion
فهذه شكوى متوارثة، تعبر عن أن الناس في انحدار (أورد معمر بن راشد هذا الحديث في باب: نقصالإسلام ونقصالناس)، وتشبههم بجلد الأجرب الذي لا يقرب، وأنهم يتحدثون مخانة وملاذة أي لا يصدقون في القول	Religion
وهذا الصحابي عبدالله بن عمرو (ت	Religion
وأخرجأحمد في مسنده، عن الصحابي عبادة بن قرص(أو ابن قرط، ويبدو أنه حتى لفظة قرصغير صحيحة وقيل إنه قرض): إنكم لتعملون اليوم أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات، سئل أبو قتادة (التابعي الذي روى هذا الحديث عن ابن قرص): فكيف لو أدرك زماننا هذا؟ فقال أبو قتادة: ‘لكان لذلك أقول’	Religion
وروى البخاري في صحيحه عن الصحابي أنس بن مالك (ت	Religion
وروى البخاري في صحيحه أيضا عن الصحابي أبي الدرداء (ت	Religion

Subsets and Splits

No community queries yet

The top public SQL queries from the community will appear here once available.