Datasets:

dru-ac
/

ArTopicDS-Books

Dataset card Data Studio Files Files and versions Community

Split (1)

train · 21.2k rows

text stringlengths 1 2.38k	en_topic stringclasses 10 values
على الرغم من أن هذا كان واقعًا تاريخيًّا مشهودًا، فإن ابن حيان القرطبي لم ير بأسًا في تدعيم ذلك بتنبؤ (صَدَقَ - فيه - المنجمون ولو كذبوا)، حيث يروي أن زعيم المنجمين قال عن المظفر إنه «لم يُولدْ قط بالأندلس مولود أسعد منه على أبيه، وعلى نفسه، وعلى حاشيته	Art-and-Literature
إذا كنا قد قررنا آنفًا أن الانحطاط السياسي في الأندلس لم يصحبه انحطاط في الثقافة والأدب، فإن بعض الأدباء الأندلسيين وبعض الدارسين المحدثين حاولوا أن يربطوا بين العصر المرابطي وانكسار الأدب، نتيجة عزوف أمراء الملثمين – بحسب زعمهم - عن الشعراء، لمصلحة الفقهاء، حتى ضجَّ أحدُهم بقوله:	Art-and-Literature
فيا قالَ زَيْدٌ أقْصِري وتَقَاصِري	Art-and-Literature
لقد حالَ من دُونِ المُنَى قالَ مَالِكُ	Art-and-Literature
يحضرنا هنا ما تقدم من شكوى أبي مروان عبد الملك بن محمد بن شماخ من الفراغ الأدبي الذي خلقه سقوط إمارة بني عباد على يد المرابطين	Art-and-Literature
تُضاف إلى ذلك سخرية الشقندي من معرفة يوسف بن تاشفين (ت 500هـ/1107م) بالشعر، وعزوف الشعراء عن مدحه	Art-and-Literature
لكن الإنصاف والموضوعية يقتضيان أن أنبّه على أن أدباء الأندلس وشعراءها كانوا دائمي الشكوى من زمنهم لأن الفنان حساس ومزاجي وذاتي، يرى الوجود بمنظار روحه المرهفة، فكلما صادفه وضع لا يلائمه شخصيًّا، عَمَّمَ على العصر إحْسَاسَه، وهذا ما يصدق على مثال ابن شماخ، وقبله ابن شهيد (ت 426هـ/1035م) الذي يقول: «إنه عُدِمَ في زَمَنِه فُرْسانُ الكلام، ودُهِي بغباوة أهْل الزمان»	Art-and-Literature
تتردد الشكوى ذاتها على لسان تلميذه ابن برد الأصغر (ت 445هـ/ 1053م) الذي يقول إنه وجد - بعد موت جده الذي كان يرعاه - «سوق الأدب قد كسدتْ، وجمرة السلطان قد خمدتْ	Art-and-Literature
أمّا سخرية الشقندي من أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وثقافته العربية عمومًا، والشعرية خصوصًا، فهي تتأطر داخل جو السجال المحتدم بين عدوتي الأندلس والمغرب، وتحت ظل الحكم الموحدي الذي قام على أنقاض الحكم المرابطي، فوجد غضب الأديب الأندلسي - مع هوى السلطان الموحدي - في المرابطين نافذة للتنفيس	Art-and-Literature
لكن على الرغم من هذا كله، فإنه لا يمكن أنْ نساوي بين ازدهارالأدب تحت ظل أحكام سياسية حولت الأندلس إلى جمهوريات للشعر، جُلُّ حكامها يعشقون الشعر ويقرضونه وينتقدونه ويقدّرون مبدعيه، وبين أحكام سياسية كانت الفروسية والجهاد أولى اهتماماتها، والسيف والفقه خير أعوانها	Art-and-Literature
ألا ترى أن الزمان لما دار، كيف أحالَ بعضَ الرَّسْم الأول، في هذا الفنِّ، إلى طريقة عبد الحميد وابن المقفع وسهل بن هارون، وغيرهم من أهل البيان، فالصنعة معهم أفسح باعًا، وأشد ذراعًا، وأنور شعاعًا، لرجحان تلك العقول، واتساع تلك القرائح في العلوم	Art-and-Literature
ثم دار الزمان دورانًا، فكانت إحالة أخرى إلى طريقة إبراهيم بن العباس، ومحمد بن الزيات، وابني وهب، ونظرائهم، فرقّت الطباع، وخفّ ثقل النفوس	Art-and-Literature
ثم دار الزمان، فاعترى أهله باللطائف صلف، وبرقة الكلام كلف، فكانت إحالة أخرى إلى طريقة البديع، وشمس المعالي وأصحابهما	Art-and-Literature
وكذلك الشعراء انتقلوا عن العادة في الصنعة بانتقال الزمان، وطلب كل ذي عصر ما يجوز فيه، وتهش له قلوب أهله، فكان من صريع الغواني وبشار وأبي نواس وأصحابهم في البديع ما كان	Art-and-Literature
ثم جاء أبو تمام، فأسرف في التجنيس، وخرج عن العادة، وطاب ذلك منه، وامتثله الناس، فكل شعر لا يكون اليوم تجنيسًا، أو ما يشبهه تمجّه الآذان، والتوسط في الأمر أعدل»	Art-and-Literature
هذا النص - على طوله - مهم لنا في هذا السياق، لأنه يكاد يكون النص الأندلسي اليتيم الذي ينظر إلى التحقيب الأدبي في تفاعل المدارس الأدبية ، شعرًا ونثرًا، مع التحولات الحضارية، وعلى الرغم من أنه اكتفى - في التمثيل - بأدباء المشرق، فإنه - في النهاية - أسقط ذلك التنظير التاريخي على واقع الأندلس الأدبي في عصره، مصنفًا إياه في المدرسة البديعية مَيْسَمًا لذائقة المُتلقين، وطابعًا للمبدعين، داعيًا إلى الوسطية في هذا الاتجاه، مركزًا على تأثير التحولات الزمانية - بحمولتها الحضارية الشاملة - في تلوُّنات الأدب، من دون اختزالها في التحقيب السياسي السطحي	Art-and-Literature
لعل هذه الرؤية ذاتها هي ما عناه الأديب الأندلسي الآخر: أبو بكر بن القبطرنه، حين يقول: «إن الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم»	Art-and-Literature
هكذا يكون التحقيب الأدبي الأقرب إلى التوفيق هو ما يركز على تأثيرات الزمن السياسي في جوهر الحركة الإبداعية، أكثر من نظره إلى الزمن والسياسة في ذاتهما	Art-and-Literature
في هذا السياق، وجدنا - ضمن المعاصرين - من اقترح تصنيفًا جديدًا للأدب الأندلسي، لا ينطلق من التاريخ السياسي، بقدر ما يعتمد على التأريخ الفني، «راصدًا مراحل تطور الخيال والإحساس بالأندلسية فيه»، عبر خمس مراحل تدرّجت كما يلي:	Art-and-Literature
«أولًا: المرحلة المشرقية (92 - 200/711 - 816م) وينضوي تحتها:	Art-and-Literature
فيها اكتسب الأدب مشرقيته هذه من كون منتجيه أنفسهم مشارقة وافدين إلى الأندلس، في فترة الفتوح وما يليها، أو أندلسيين مَوْلدًا، ولكنهم مشرقيون تكوينًا ونزعة، كما هو حال عصر تأسيس الإمارة	Art-and-Literature
ثانيًا: المرحلة المتأرجحة بين القديم والحديث المشرقيَّيْنِ، وملامح أندلسية (200 - 300هـ/816 - 913م)	Art-and-Literature
ثالثًا: المرحلة الأندلسية الأولى(300 - 404/913 - 1013م)، وفيها أخذ النزوع إلى الابتكار أو التميز يتضح	Art-and-Literature
رابعًا: مرحلة تجَذُّر الأندلسية ( 400 - 550 /1010 - 1155م)، وفيها وصَلَ الأدبُ ذروة الإبداع، وهي تحتوي عصريْ الطوائف والمرابطين	Art-and-Literature
خامسًا: مرحلة تناقص الاتساق الأندلسي (550 - 897هـ/1010 - 1492م)، وتشمل عصريْ الموحدين والنصريين»	Art-and-Literature
لعل أهم معطيات هذا التصنيف هي انبناؤه على مسار تطور الخصوصية الأدبية الأندلسية، جاعلًا عمر كل مرحلة من المراحل الخمس لا يقل عن قرن من الزمان، لأن حركة الإبداع تقوم على تراكم التجارب، وليست مجرد قفزات أو نزوات تحدث بين عشية وضحاها	Art-and-Literature
على كل حال، يبدو من الصعوبة بمكان أن ننقض نسيج التحقيب السياسي والأدبي من بعد إبرام، نظرًا إلى ما للأحداث السياسية من انعكاسات فاعلة في نفسية الأديب وفي إبداعه، ربما أكثر من غيره، بسبب رهافة حسه المعهودة؛ فقد كان الأدب في الأندلس خير راصد لمنحنى نمو الحضارة الأندلسية، صعودًا وانهيارًا، مسجلًا مفارقته بأنْ كان قويًّا في كلتا الحالين، ولم يتردَّ فنيًّا تبعًا للانحطاط السياسي	Art-and-Literature
لعل خير مثال على ما نقول عن تلون الشعر في الأندلس بألوان الواقع هو تساوقه مع ما يمكن أن أسمّيه «موسم الهجرة إلى الجنوب»، «حين استكملت الدولة الإسلامية فصولها الثلاثة، ولم يبق منها إلا فصل الخريف، وقد حان، فقد اجتاحت موجة عنيفة من الغزو النصراني بلاد الأندلس، ابتداءً من شمالها، فسقطت تطيلة في سنة (511/1117م)، ثم تلتها سرقسطة في سنة (512هـ/1118م)، ثم تلتها لاردة وأفراغة ومكناسة وطرطوشة في سنتي (543 - 544هـ/1148 - 1149م)، ثم انتقلت عدوى سقوط المدن الأندلسية إلى الغرب فسقطت إشبونة وشنترة، وشنترين في سنة (542هـ/ 1147م)، وسقطت باجة في سنة (556/1161م)، ثم تلتها يابرة في سنة(561هـ/1166م)	Art-and-Literature
كانت زوبعة الاسترداد قد هدأت ببسط الموحدين سلطانهم على الأندلس، ولكنها عادت أعنف من ذي قبل بعد هزيمة العقاب، فكانت البداية من شرق الأندلس، بسقوط ميورقة (627هـ/1230م)، وبياسة (633هـ/ 1236م)، وبلنسية (636هـ/1239م)، وشاطبة (644هـ/1246م)، ودانية ولقنت (641هـ/1243م)، وأريولة وقرطاجنة (643هـ/1245م)، ومرسية (640هـ/1242م)، وجيان (643هـ/1245م) وإشبيلية (646هـ/1248م) وكانت بطليوس قد سقطت في سنة (627هـ/1230م)، وماردة (628هـ/ 1231م)، وشلب (640هـ/1242م)، وشنتمرية الغرب (647هـ/1249م)، ولبلة وولبة (655هـ/1257م)، ثم قادس (659هـ/1261م)، وتلتها شريش (662هـ/1264م)	Art-and-Literature
لم يأت منتصف القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي، حتى كانت ولايات الأندلس الشرقية والوسطى قد سقطت في يد إسبانيا النصرانية، ولم يبق من تراث الدولة الإسلامية بالأندلس سوى بضع ولايات صغيرة في طرف إسبانيا الجنوبي»	Art-and-Literature
أمام هذه التغيرات المتلاحقة، وجدنا القصيدة الأندلسية رصدت انفراط حبات عقد الأندلس الفريد هذا، وعزفت أوتار قلوب الشعراء، ألحان سمفونية هذا الخراب المشتعل في قلب الجزيرة وأطرافها، مدافعة لحروب الاسترداد بقصائد الاسترداد مثل سينية ابن الأبار ومقصورة حازم القرطاجني وغيرهما	Art-and-Literature
مهما كانت أنواع التقسيمات والتحقيبات التي ابتدعها الدارسون المحدثون، فإن الأندلسيين أنفسهم لم يؤمنوا إلا بزمنين: زمن أندلسي وزمن ما قبل أندلسي	Art-and-Literature
يتجلى هذا المنزع في بواكير الكتابات الأندلسية، مثل ما أعلنه أبو الوليد الحميري في مقدمة كتابه البديع في وصف الربيع، من تجافيه - في مختاراته - عن أشعار المشرق التي لاكها التداول من سحيق الزمن، حتى مَجَّتْها الأذواق الأندلسية، المتحررة النزاعة إلى الجديد والطريف، حيث استغنى عنها، بحسب قوله: بـما يذكره للأندلسيين من النثر المبتدع، والنظم المخترع، وأكثر ذلك لأهل عصره، إذ لم تغب نوادرهم عن فكره	Art-and-Literature
درج على ذلك ابن بسام في ذخيرته، حيث نعى على أهل أفقه متابعتهم أهل المشرق، واطِّراحَهم أدبهم، قائلًا: «فغاظني منهم ذلك وأنفتُ ممّا هنالك وأخذتُ نفسي بجمع ما وجدت من حسنات دهري، وتتبع محاسن أهل عصري، وقد كتبت لأرباب هذا الشأن، من أهل الوقت والزمان، محاسن تبهر الألباب، وتسحر الشعراء والكتاب»	Art-and-Literature
واطأه على ذلك ابن الأبارالقضاعي، حين عارض زاد المسافر بـ تحفة القادم، فقصَرَ مختاراته على الأندلس أهل بلده، وحَصَرَها ضمن معاصريه، فيمن سبقت وفاتهم مولده، إضافة إلى من تُوُفُّوا بعد مولده، من مُجَايِلي شيوخه	Art-and-Literature
بعدهما يتساهل أبو إسحاق البونسي في دقة الالتزام بشرط المعاصرة ليضمن «كنزه» جواهر لكتاب القرنين (الخامس/ السادس)، إلا أنه ركز على المتأخرين، ولم يتغاض عن معاصريه، معللًا ذلك بقوله: «وأكثر ما عَوَّلْتُ على المتأخرين من الأدباء الماهرين، تنبيهًا على محاسنهم وآثارهم، وترغيبًا في رسائلهم وأشعارهم	Art-and-Literature
إذا كنا حتى الآن قد قدمنا تباعًا أمثلة من عصور الطوائف والمرابطين والموحدين، تؤكد هذا المنحى المناصر للمعاصرة، فيبدو أن هذه الرؤية ظلت سارية المفعول في نفوس كتّاب الأندلس حتى العهد النصري في آخر أيامه، إذ نجد الأمير أبا الوليد إسماعيل بن الأحمر (ت 810/1407م) لا يزال رهين هذا التوجه، بحسب ما يصرح به عنوان كتابه نثير فرائد الجمان في من نظمني وإياه الزمان، ويُعَزِّزُه في مقدمة كتابه الآخر نثير الجمان في نظم فحول الزمان، حين يقول: «ولم أعَوِّلْ إلا على من في عصرنا نبغ، وأثواب التخيلات الشعرية صبغ، لا كمن في آنية كلب الانحطاط ولغ، وبالقصور عن محل القول ما بلغ»	Art-and-Literature
أمام هذا الانهماك في حصْر حركة التأليف على المعاصرين، يُطرح السؤال حول صحة الكلمة المأثورة القائلة إن «المعاصرة حجاب»، خصوصًا بالنسبة إلى الأندلسيين الذين تواطأوا على خرْق هذا الحجاب، عن سبق إصرار وتَرَصُّد، بيد أن الأندلس معروفة بحسد أهلها لبعضهم، خصوصًا مدة حياته، كما أكد ابن حزم وغيره سابقًا، وهذا يُوَلِّدُ من الإشكال إشكالًا آخر	Art-and-Literature
لمحاولة ترويض هذه المفارقة، نستحضر أن القوم خلال انهماكهم في ممارسة الانتصار للمعاصرة، كانوا يستمرئون ذلك، لأنه انحياز إلى هويتهم الأندلسية الوليدة ونزعتهم الإقليمية الجديدة، في مقابل الهوية المشرقية الطاغية العتيدة، إضافة إلى أنهم كانوا كثيرًا ما يعللون هذا التوجه الحداثي بالسأم النفسي من تكرار القديم، ولا سيما أن معيار الجودة والإبداع متوافر في نتاج المحدثين، وليس رهين القدماء، إذ لا علاقة له بالزمان ولا بالمكان بقدر ما يرتهن للقدرات الفنية للمبدع أنَّى توافرت	Art-and-Literature
هكذا نرى أن اهتمام الأندلسيين - استمرارًا في هذه النزعة الحداثية المتنامية، وانسجامًا مع حركة الزمن المندفعة إلى الأمام - ظل يتمحور حول زمنهم الخاص، عبر تتبّعهم سيرورة الأجيال والأعصار، حيث أفْرَدُوا كلَّ مئة سنة تقريبًا بمؤلَّف، وذلك مثل كتب: الغصون اليانعة في شعراء المائة السابعة، والغرة الطالعة في شعراء المائة السابعة، والكتيبة الكامنة في شعراء المائة الثامنة	Art-and-Literature
بل إن أبا عبد الله بن الأبار القضاعي نسج تراجم «حلته السيراء»، بحسب التدرج الزمني، تنازلًا من قرن إلى قرن، وهكذا دواليك، ابتداء من المئة الأولى إلى المئة السابعة من تاريخ حياته	Art-and-Literature
غير بعيد عن هذا تندرج كتب الطبقات والتكملات والذيول والصلات التي توحي بأن لدى الأندلسيين مشروعًا قوميًا وطنيًا يتوارثونه، ينطلق فيه اللاحق من حيث انتهى السابق، حتى تكتمل سيرورة الزمن الأندلسي في سلسلة متواصلة، لا تكاد توجد فيها حلقة مفقودة	Art-and-Literature
استمرارًا لتواصل الجهد الأندلسي، عبر مشروع التكملات وتكملاتها والصلات وصلاتها	Art-and-Literature
على العقيدة ذاتها انطلق ابن الأبارفي «تحفته»، من حيث انتهى «زاد» أبي بحر سلفه، رافضًا الرجوع إلى الماضي، ولو كان هذا الماضي أندلسيًّا، لأن الأندلسية ملازمة للمسار التقدمي، والعبرة - في مشروع التكملات - هي إنجاز ما لم يُنْجَز، حتى لا تظل أقلامهم وجهودهم تدور في حلقة مفرغة، وهكذا ربأ بكتابه كما يقول - «عما تضمنته كتب السابقين من الأدباء	Art-and-Literature
إذا كان ابن بسام وابن الأبار قد صرحا برفضهما العودة إلى ما أُنجز قبلهما، وانطلاقهما في تشييد طوابق المشروع الأندلسي التاريخي، من حيث انتهى سلفاهما، فإن بقية كُتَّاب الصِّلات والتكملات والتذييلات اكتفوا بهذه التسميات التي توحي بما صرح به الرجلان، فكل منها تحمل معنى الإضافة العلمية، وتجاوز المجهود السابق، إضافة إلى شرط المعاصرة الذي يندرج أيضًا في هذا السياق	Art-and-Literature
هكذا يتجلى - ربما أول مرة - تصور الأندلسيين العام لزمنهم الخاص، متميزًا بالتمركز حول الحاضر، وعدم الإسراف في تقديس الماضي، خلافًا للذهنية المشرقية التي تُرَجِّحُ، غالبًا، كل ما هو قديم على ما هو حديث	Art-and-Literature
في هذا السياق يسجل بعض الأندلسيين موقفه من القدم والحداثة حتى في عمر الإنسان، حيث يدافع الشاعر الحكيم أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن الصلت الداني عن حداثة سنه قائلًا:	Art-and-Literature
وقالوا: حديث السِّنِّ يسْمـــو إلى العلا	Art-and-Literature
كأنَّ العلا وقفٌ على كِبَرِ السـِّـــــنِّ	Art-and-Literature
فما ضَرَّني سِنُّ الحداثة والصِّبَا	Art-and-Literature
إذا لمْ يُضَفْ خُلْقِي إلى النَّقْصِ والأفْنِ	Art-and-Literature
فعِلْمٌ بلا دعْوَى ورأْيٌ بلا هَوى	Art-and-Literature
ووعْدٌ بلا خلْفٍ ومَنٌّ بلا مَنِّ	Art-and-Literature
إذا كان أبو الصلت هنا يؤسس دفاعه عن الحداثة على خلفية أخلاقية، تجعل وحدة قياس الزمن ليس مجرد التراكم الرياضي، زيادة ونقصًا في العمر، كبرًا وصغرًا، بقدر ما تعتبر المنجز الأخلاقي والمعرفي في تراكمه هو وحدة القياس الأساسية، فإن أبا زيد عبد الرحمن السهيلي (581/1185م)، أحد أدباء مالقة، ينحاز – هو الآخر - إلى الحديث على حساب القديم، متبنّيًا فلسفة تعتمد على القياس والبرهنة، بالنظر إلى عناصر الطبيعة والأبعاد النفسية والعاطفية، في سياق مفاضلة بين الزمنين، مناقضًا أطروحة أبي تمام في تفضيله الحبيب الأول والمنزل الأول:	Art-and-Literature
قاسُوا الحَنينَ إلى الحَبيبِ الأوَّلِ	Art-and-Literature
بحنين مُغْتَرِبٍ لأوَّلِ مَنْزِلِ	Art-and-Literature
هيْهاتَ ما حُبُّ التليدِ كَطارفٍ	Art-and-Literature
أيْنَ الحديثُ من الحبيبِ المُقْبِلِ؟	Art-and-Literature
نَوْرُ الأقاحِي الغَضِّ أحْسَنُ مَنْظرًا	Art-and-Literature
وأرقُّ عَرْفًا من أقاحٍ ذُبَّلِ	Art-and-Literature
تُعتبر فترة الحداثة العمرية فترة لها ما بعدها، حيث لا ينتظر في الكبر إلا حصاد اليفاعة	Art-and-Literature
يؤكد ابن خيرة المواعيني في ريحانه «أن نشاط الألباب في عصر الشباب، والسؤدد مع السواد، وشواظ النار قبل الرماد، ومن هنا كان مبعث شكوى الشيب، وحنينهم إلى الشباب»	Art-and-Literature
قد يتجاوز هذا الانتصار للحداثة والمعاصرة حدود الزمن، في التأليف وفي الأعمار، إلى رؤية فينة إبداعية للأدب نفسه، حيث يقول ابن بسام: «وقد أثبتُّ أيضًا في هذا القسم من الشعراء والكتّاب ورؤساء أهل الآداب في ذلك الأوان إلى وقتنا هذا، من عرف مكانه، واشتهر إحسانه، وقدَّمْتُ من قُدِّمَ في حلبة البيان، دون من سبق بالزمان، على ما استعرضتُ في صدر هذا الديوان»	Art-and-Literature
من هنا، قد يصبح المتأخر في الزمان سابقًا بمنطق الإحسان، إذ يرى ابن بسام أن محتوى «ذخيرته» الأندلسية «من منظوم ومنثور، بديع رائق، ومتأخر - إن شاء الله – سابق»	Art-and-Literature
في ضوء هذه الرؤية يقارن بين أبي عبيد اللغوي المشرقي القديم وأبي عبيد البكري الأندلسي المحدث معتبرًا أن هذا الأخير «لولا تأخر ولادته، وعهدة في زيادته، لأنسى ذكر كنيِّه المتقدم الأوان، ذربَ لسان، وبراعة إتقان»	Art-and-Literature
انتقى الشعراء الأندلسيون من التراث الأدبي ما يوافق مزاجهم الحداثي، لأن «الناس - كما يقول أبو بكر بن القبطرنه: عبد العزيز بن سعيد (ت 520هـ/1126م) - بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم»	Art-and-Literature
من هنا يمكن القول إن شعراء الأندلس ركزوا في تكوينهم الأدبي على الشعر المحدث، بينما اهتم اللغويون منهم بالجاهليين، فهذا ابن خفاجة، مثلًا: «فتن أول أمره بأشعار المحدثين في المشرق، وشعراء القرن الرابع خاصة، فأخذ يقلدهم، ويعارضهم حينًا آخر، ويعنى - على غرارهم - بمحسنات البديع وتزاويقه، ثم لم يلبث أن استقل بطابعه المميز، وأخذ يغترف من ينبوع قلبه وبيئته وزمانه، فكان له أسلوبه الخفاجي، الذي تميز به عن معاصريه جميعًا، وغدا في الأندلس رأس مدرسة من الشعر، لها أنصارها المعجبون بها، وخصومها الناعون عليها»	Art-and-Literature
في سياق مناصرتهم للمعاصرة، المتماهية مع ذاتيتهم، كرَّس ابن حزم طوق الحمامة للتجربة الأندلسية عمومًا، والحزمية خصوصًا، قائلًا: «ودعني من أخبار الأعراب المتقدمين، فسبيلهم غير سبيلنا، وقد كثرت الأخبار عنهم، وما مذهبي أن أنضي مطية سواي، ولا أتحلّى بحلي مستعار»	Art-and-Literature
يدخل في إطار هذه الرؤية الحداثية لدى الأندلسيين تلك السخرية المُرّة من المعلقات، أقدس أمهات الشعر العربي، والقرف من ترديدها، حسبما أسلفنا من رأي ابن بسام فيها، معلِّلًا بأن «كل مُرَدَّدٍ ثقيل، وكل مُتكرّر مَمْلول، وقد مَجَّت الأسماع: ‘يا دارمية بالعلياء فالسند’	Art-and-Literature
لعل التَّحْلِية - في تراجم الأعلام - بالخاتمية، تدخل في تجليات هذا الانتصار للحداثة، مرتكزين - ربما - على أن نبينا كان أفضل الرسل، على الرغم من أنه خاتمهم، وكذلك مِلَّتنا خاتمة الملل، كما أن «الأمور بخواتمها»، وحسن الختام هاجس كل مؤمن	Art-and-Literature
غير بعيد عن هذه الخاتمية، يستغلون– أيضًا - مفهوم نسخ اللاحق للسابق، تعزيزًا لرؤيتهم المناصرة للمعاصرة، فأبو محمد بن مطروح التجيبي (535/1241م)، يرفض - في الرثاء - وصية لبيد في تحديد مدة البكاء على الفقيد العزيز	Art-and-Literature
إمعانًا في ثورتهم على القديم، والاعتزاز بقدرتهم على الإبداع - مهما تأخر بهم الزمن - نازعوا بعض المقولات المشرقية الدوغمائية، مُناقِضين إياها، مثل: «هل غادر الشعراء من متردم»، ومثل: «ما ترك الأول للآخر شيئًا»، و«ليس في الإمكان أبدع مما كان»، حيث يُمَجِّدُ حازم القرطاجني (ت 684هـ/ 1285م) قصائده مفاخرًا سابقيه:	Art-and-Literature
أبكار أفكارٍ رخيمٍ لفْظُها	Art-and-Literature
عادتْ لها عُونًا عَذَارَى مُسْلِمِ	Art-and-Literature
أضحتْ عن الزَّوْراءِ أنْدَلُسٌ بها	Art-and-Literature
«زوراءَ تنْفرُ من حِياضِ الدَّيْلَمِ»	Art-and-Literature
تزْرِي بِحَسَّانٍ وحُسْنِ حَدِيثِه	Art-and-Literature
في الحَارِثِ الجَفْنِيِّ وابْنِ الأيْهَمِ	Art-and-Literature
وتُغَادِرُ الشُّعَرَاءَ تُنْشِدُ بَعْدَها:	Art-and-Literature
كمْ «غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَرَدَّمِ»	Art-and-Literature
واطأه في البحر والقافية والمقصد ابن زمرك (ت 793هـ/1390م)	Art-and-Literature
لم يَكتفوا بنقْضِ هذه المَقولاتِ الرَّجْعِية، بلْ نَازَعُوا مُبْدِعِي المَشْرق بعْضَ مَقولاتِهم الثورية، مثل المعري الذي أكد قدرته - على الرغم من تأخره - على الإتيان بما لم تستطعه الأوائل، حيث نازعَ ابنُ زمرك - وممدوحه - أبا العلاءالمَعَرِّي (449هـ/1057م) هذا المنحى:	Art-and-Literature
فيا أيها المَوْلَى الذي شادَ آخِرًا	Art-and-Literature
منَ الفَخْر ما لمْ تَسْتَطِعْهُ الأوائِلُ	Art-and-Literature
ولو أنَّنِي أدْركتُ أعْصَارَ مَنْ مَضَى	Art-and-Literature
لما قـالَ فيها الشاعرُ المُتَخَـــايِلُ	Art-and-Literature
ما ذلك إلا لأن الأندلسيين أغنياء في زعمهم عن التقليد الأعمى لقدماء المشارقة، وحتى لو كانوا شعراء المعلقات المقدسين، فهذا إبراهيم الطُّوَيْجن الســـاحلي الأنصاري الغرناطي (ت 747هـ/1346م) يصف قصيدة له:	Art-and-Literature
وَأتَتْ مَحَاسِنُها بِكُلِّ غريبةٍ	Art-and-Literature
أغْنَتْ مُقَلِّدَها عن التَّقْليدِ	Art-and-Literature
وقَفَ ابنُ حجْر دُونَها وتَخَبَّطَتْ	Art-and-Literature
في نَسْجِ حُلَّتَها أَكُف لَبيدِ	Art-and-Literature
فواطأه أبو القاسم الخضر بن أحمد بن أبي العافية الغرناطي (ت 745هـ/ 1344م) في جوابه إياه، قائلًا:	Art-and-Literature
سَحَبَتْ على سَحْبَانَ فضْلَ رِدَائِها	Art-and-Literature
وعبيدٌ اسْتَغْشَى ثِيابَ عبيدِ	Art-and-Literature
ولَبيدٌ انْقَلَبَتْ عَلَيْهِ حُرُوفُهُ	Art-and-Literature
فغَدَا بَلِيدًا وهْوَ غيْر بَلِيدِ	Art-and-Literature
نظمَتْ من السِّحْر الحَلالِ قَوَافِيًا	Art-and-Literature
«أغْنَتْ مُقَلِّدَها عن التَّقْلِيدِ»	Art-and-Literature
إذا كان بعض نقاد المشرق، مثل ابن قتيبة وتابعيه، قد كسر طوق الزمان والمكان عن الإبداع، فاعترف بالإحسان أنّى تَحَقَّق، وممن تحقق، مؤكدًا أن الله لم يقصره على زمان ولا مكان، فقد وافقت هذه المقولة هوى في نفوس نقاد الأندلس، وأكثروا من ترديدها، ولكنهم مضوا أبعد منها، حيث أطَّرُوا دعْوَى شعرائهم القدرةَ على تفوق المتأخرين على المتقدمين، فكان ابن عبد ربه من أوائل من تبنى هذه الرؤية	Art-and-Literature
بل إنه مع من يعتقد كون المتأخر أقدر على الإبداع، بحكم تراكم التجارب قبله، ممّا يساعده على تجاوزها، إن صَمَّمَ طمُوحه على ذلك، إذ إنه «كلما بقيت أصول المصنوعات، تَحَذَّقَتْ فرُوعُها، وسُدِّدَ إلى سَمْتِ التكْمِيل شرُوعُها«	Art-and-Literature

Subsets and Splits

No community queries yet

The top public SQL queries from the community will appear here once available.