Datasets:

dru-ac
/

ArTopicDS-Books

Dataset card Data Studio Files Files and versions Community

Split (1)

train · 21.2k rows

text stringlengths 1 2.38k	en_topic stringclasses 10 values
وقد ناقشنا هذا من قبل، وكفانا ابن تيمية إياه، والقرائن تدل عليه؛ فقد كان المأمون يفكر في إعلان القول بخلق القرآن في الدولة منذ ورد بغداد، وهو قائل به مذ كان في خراسان، بل ربما لا نفهم محاكمة بشر المريسي على يد يزيد بن هارون والخليفة إبراهيم بن المهدي الذي خلع المأمون، إلا في إطار الصراع بين بغداد وخراسان، وبين التيار العجمي والتيار العربي (ذكرنا موقف المأمون من العجم وتفضيله إياهم، وكذلك المعتصم صرح بتفضيله العجم)، من حيث إن خراسان هي عش الجهمية وبغداد عش المحدثين	Religion
ووصف الذهبي ابن أبي دؤاد بأنه كان موصوفا بالجود والسخاء وحسن الخلق وغزارة الأدب، وينقل أنه لولا ما وضع نفسه من محبة المحنة لاجتمعت الألسن عليه	Religion
وورد أنه كان يرقق قلب المعتصم على أهل الكرخ، الذين غلب عليهم التشيع فيما بعد، وقد نفهم من ترقيق قلب المعتصم عليهم أنه لم يكن يميل إليهم، قال الذهبي: قال عون بن محمد الكندي: لعهدي بالكرخ، ولو أن رجلا قال: ابن أبي دواد مسلم، لقتل	Religion
ولمثل مكارم الأخلاق هذه، ولكونه قاضي القضاة المهيب الرزين، لا يقبل العقل أن يقول للمعتصم في حق أحمد بن حنبل أثناء المحنة: اسقني دمه يا أمير المؤمنين	Religion
مات المأمون، فأعيد أحمد بن حنبل إلى سجن العامة ببغداد	Religion
أقام أحمد في السجن، منذ المأمون وإلى أن ضرب، نيفا وثلاثين شهرا، كما يقول حنبل بن إسحاق، وثمانية وعشرين شهرا كما يقول ابنه صالح	Religion
كانت المحنة كأنها انتهت بسجن أحمد، غير أنه بقي في السجن طوال تلك المدة، وكان عمه إسحاق بن حنبل يتردد على أصحاب السلطة لينظروا في حاله، فاقترح على إسحاق بن إبراهيم أن تتم مناظرته، قال حنبل بن إسحاق لصاحب الشرطة: الأمير على ما يحبه من ابن أخي، لم يجحد التنزيل، وإنما اختلفوا في التأويل، فاستحل منه ما استحل من السجن الطويل	Religion
ونزولا عند طلب عمه إسحاق، نقل إلى دار صاحب الشرطة (أي المخفر بتعبير عصرنا)، فبقي فيها ثلاثة أيام، يدخل عليه فيها اثنان ليناظراه، قبل أن ينتقل إلى مناظرة الفقهاء والعلماء، وهذا يدل على رغبة السلطة في عدم وصول الأمر إلى أعلى مستوى	Religion
دخل عليه رجلان هما أبو شعيب بن الحجام، ومحمد بن رباح، فناظراه في شيء، فقال أحمد لابن الحجام: ما تقول في علم الله؟ فقال: مخلوق، فقال له أحمد على الفور: كفرت بالله العظيم يا كافر	Religion
كانت هناك محاولات حثيثة لتجنيب أحمد المحنة كلها، فليقل كلمة واحدة ينهي بها هذا كله، ويمضي، لكن أحمد كان يكرر الرفض، فقد حاول إسحاق بن إبراهيم، برفق، أن يقنعه بهذا، فقال له: يا أحمد، لو أجبت أمير المؤمنين إلى ما دعاك إليه [	Religion
يروي صالح بن أحمد أن أباه سئل عن حجته في كون القرآن غير مخلوق من إمامك في هذا؟، أي سئل عمن يقتدي به أحمد في كون القرآن غير مخلوق (إنه سؤال عن سلف سابق)، فقال أحمد: الحجة قول الله تبارك وتعالى: ﴿فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم﴾ (آل عمران: 61)، فما جاءه غير القرآن	Religion
وكذلك سئل أحمد مرة أخرى عمن قال بقوله من العلماء، فلم يجد إلا جعفر بن محمد، أي جعفر الصادق، وهو ليس من الصحابة ولا من التابعين، لكن لعله احتجبشخصية محترمة عند خصومه المتشيعة، وسنراه يحتجأيضا بالأوزاعي، وبالزهري ومكحول، فكانوا هم سلفه في هذا القول، وبهذا ف سلف المحنة، الذين وظفهم أحمد في استدلاته، ليسوا إلا أفرادا من التابعين، ومن هنا إذا قيل: إن القول بأن القرآن غير مخلوق هو قول السلف، فالمقصد به هؤلاء الأفراد، مع أن قولهم، وهم أفراد، ليس من قبيل الاستدلات الأصولية المتفق عليها	Religion
لما دخل أحمد على المعتصم في حضرة الفقهاء والعلماء والقضاة، استأذن في الكلام، واستدل على المعتصم بما يأتي:	Religion
يا أمير المؤمنين؛ تأذن لي في الكلام؟ (ونداؤه ب يا أمير المؤمنين إقرار بشرعيته، وهذا يناقض أنه كافر، لأنه لو كان كافرا، عنده، لما كان يصح أن يخاطبه بالإمارة، وهذا الاضطراب بين تكفير الأعيان الذي نقلناه سابقا، ونداء المعتصم ب يا أمير المؤمنين، يتيح المجال للمتخيل)	Religion
إلام دعا رسول الله؟	Religion
شهادة أن لا إله إلا الله	Religion
فأنا أشهد أن لا إله إلا الله	Religion
لولا أنك كنت في يدي من قبلي لما عرضت لك (وهذه العبارة لا يمكن فهمها بحسب الرواية الحنبلية لأنها تبدو غير متسقة، وهاهنا يملأ الجاحظ الفراغ فيقول عن أحمد: قال صاحبكم للخليفة المعتصم، يوم جمع الفقهاء والمتكلمين والقضاة والمخلصين، إعذارا وإنذارا: امتحنتني وأنت تعرف ما في المحنة، وما فيها من الفتنة، ثم امتحنتني من بين جميع هذه الأمة	Religion
• النقطة الأولى: هل يقاس القرآن على العلم الإلهي؟	Religion
أمر هنا المعتصم أحد قضاته وهو عبدالرحمن بن إسحاق أن يناظر أحمد، على هذا النحو:	Religion
ما تقول في القرآن؟ (وهنا يصمت أحمد فيأبى أن يجيب، فيأمره المعتصم بالإجابة)	Religion
ما تقول في العلم؟ (وهذه ليست إجابة بل رد على السؤال بسؤال، وهذا لا يصح في المناظرات، بل كان المتوقع أن يجيب مباشرة فيقول: غير مخلوق، ولكنه أراد قياس القرآن على العلم الإلهي، وليس هذا مما يعجز عن تفنيده طالب علم صغير فضلا عن كبار الفقهاء والعلماء)	Religion
(يسكت عبدالرحمن بن إسحاق، وكان الرد سهلا، لكن يبدو أن عبدالرحمن كان متعاطفا مع أحمد، ولهذا قال إن ابن أبي دؤاد حقدها عليه لأنه لم يجرد عليه القول، أي لم يرد عليه ويفند قوله، وفي هذا يقول أحمد: ما كلمني عبدالرحمن إلا بالمسألة الأولى، فلما لم يجبني أمسك	Religion
من زعم أن علم الله مخلوق فقد كفر بالله (وهنا يسكت أيضا عبدالرحمن)	Religion
(وفي هذه النقطة يقول الجاحظ: وزعم يومئذ أن حكم كلام الله كحكم علمه، فكما لا يجوز أن يكون علمه محدثا ومخلوقا، فكذلك لا يجوز أن يكون كلامه مخلوقا محدثا	Religion
وهنا يقول القضاة والفقهاء: يا أمير المؤمنين، أكفرنا وأكفرك	Religion
وورد أيضا أن عبدالرحمن بن إسحاق قال: كان الله ولا قرآن (يعني أن القرآن محدث)، فقال أحمد: كان الله ولا علم؟ (فسكت عبدالرحمن، ولا أرى سكوته إلا حماية لأحمد بن حنبل، وموقفا نبيلا منه تجاهه، وكلام أحمد هنا يدور حول جعل القرآن من علم الله، وعلى هذا الأساس فهو غير مخلوق، مع أن القرآن على التحقيق خبر عن علم الله وليس هو هو ذاته علم الله ولا هو جزءا من علم الله)	Religion
هاهنا يكمل أحمد (بحسب هذه الرواية الثانية للحوار):	Religion
لم يزل الله عالما متكلما، نعبدالله لصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه، ونرد القرآن إلى عالمه تبارك وتعالى، فهو أعلم به، منه بدأ وإليه يعود (وهذا النصتفويضي بامتياز، فصفات الله غير محدودة أي لا حد لها ولا ماهية ولا تعريف يتسع، ولايمكن أن نعلمها إلا بتلك المجملات الواردة في القرآن، ونرد القرآن إلى عالمه فلا نبحث فيه أهو مخلوق أو غير مخلوق، وأقول إذا: فمن خاض في معاني آيات الصفات وزعم الإثبات، أو التأويل، فقد تجاوز ما وصف الله به نفسه، واقترح فهمه هو، وبهذه النصوأشباهها انقسم الحنابلة، ما بين مفوض ومثبت، أما الوقوف في وجه التأويل فهو كثير منهم، ولكن الخلاف في الإثبات والتفويض، وهو ما يفتح با واسعا ل السلف المتخيل الذي ينسب إليهم كل ما فهمه هو، وإلى أحمد بن حنبل المتخيل الذي يدعي المتنازعون أن فهم إياه هو عين مذهبه)	Religion
وأخذوا يتكلمون، فقال أحمد: يا أمير المؤمنين، ما أعطوني شيئا من كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول به	Religion
هاهنا قال الفقهاء والقضاة وأحمد بن أبي دؤاد: هو ضال مضل مبتدع يا أمير المؤمنين (ولم يصرحوا بالتكفير، لكن الجاحظ يقول: فنحن لم نكفر إلا من أوسعناه حجة، وعلى الرغم من أن المعتزلة، كما قال ابن تيمية، كانوا هم الأقل في المناظرين الذين جمعهم أحمد بن أبي دؤاد، فإن الجاحظ هنا يتكلم بلسان السلطة، ولم يذكره أحمد بن حنبل البتة فيبدو أنه لم يكن له دور في المناظرة إلا شهود ما يجري، وليس في رواية الحنابلة ذكر لأي معتزلي بل كل من ذكرهم أحمد ليسوا من المعتزلة، وإن كان هو يظن أنهم معتزلة، وهذا يدل على عدم اطلاعه الكافي على التيارات الكلامية في زمنه)	Religion
قال أحمد: فلا يزالون يكلمونني، وجعل صوتي يعلو على أصواتهم (ولعل هذا الصراخ هو الذي عناه الجاحظ بقوله: ولقد كان ينازع بألين الكلام، ويجيب بأغلظ الجواب، ويرزنون ويخف، ويحلمون ويطيش)	Religion
• النقطة الثانية: هل الذكر محدث؟	Religion
كان الاحتجالآخر الذي وجهوه إلى أحمد ما ورد في الآية: ﴿ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون﴾ (الأنبياء: 2)، وأيضا كان عبدالرحمن بن إسحاق هو الذي ناظر أحمد في هذا	Religion
قال الله عز وجل: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث، أيكون محدث إلا مخلوقا؟	Religion
قال الله عز وجل: ﴿صوالقرآن ذي الذكر﴾ (ص: 1)، والذكر هو القرآن، وتلك ليس فيها ألف ولام (وهذا أيضا احتجاجضعيف، لأن في إمكان الخصم أن يقول: إن كلمة ذكر الواردة في سياق الآية تفيد العموم، لأنها نكرة في سياق النفي، مثل الآية: ﴿وما تسقط من ورقة إلا يعلمها﴾ (الأنعام: 59)، أي كل ورقة، وكذا في الآية موطن النزاع، المقصود كل ذكر، وهذا يشمل القرآن، فالتفرقة بين ما فيه ألف ولام، وما ليس فيه ألف ولام، لا يفيد البتة، لأن الآية تدل على كل ذكر، ويدخل في ذلك القرآن من دون شك	Religion
قال أحمد: وقال بعضهم: أليس قال: ﴿خالق كل شيء﴾ (الأنعام: 102)؟ قلت: قد قال: ﴿تدمر كل شيء﴾ (الأحقاف: 25)، فدمرت إلا ما أراد الله؟	Religion
واحتجعليه أحدهم بحديث خباب: يا هناه، تقرب إلى الله بما استطعت، فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه، قال أحمد: نعم هو كذا، قال أحمد: فجعل ابن أبي دؤاد ينظر إليه متغيظا (كأنه أساء الاستدلال مع أن الحجة فيه قائمة، فلو كان كلام الله صفة غير مخلوقة، كما يقولون، لما صح أن نتقرب بما هو غير مخلوق	Religion
وكذلك استدل عليه الفقهاء بحديث: إن الله خلق الذكر، لكن أحمد بن حنبل يعارضهم في روايته، فقال: حدثناه غير واحد: ‘كتب الذكر’ (وهو حديث رواه المحدث الثقة، والذي خرجله أصحاب الكتب الستة كلهم؛ محمد بن عبيد الطنافسي، وذكروا أن أحمد خطأه في هذا الحديث، لكنه لم يكن يطيع أحمد، لأنه كان واثقا بصواب روايته، وحتى لو كان الحديث هو: كتب الذكر، فهذا أيضا يدل على حدوثه، فهل المكتوب إلا محدث؟ وإذا، فلأولئك الذين كفرهم أحمد وجه في التأويل، لايستحقون عليه التكفير؛ إذ لا تكفير إلا في ما عارض الإجماع، أو كان معلوما بالضرورة، وليس هذا من ذاك القبيل، ونصوصالقرآن والحديث تحتمله، والنظر العقلي، كما لا يسوغ تكفير المقابلين، لأنه أيضا تأويل واجتهاد)	Religion
لم يرد شيء يخصالمناظرات في اليوم الثاني من المحنة، إلا أن المعتصم كان يقول لهم: ناظروه، كلموه، فيقولون: إذا توجهت عليه [كذا في الكتاب والصواب أن تكون: له] علينا وثب، وإذا كلمناه بشيء قال: لا أدري ما هذا (وهذا أيضا موطن اتفاق بين الرواية الحنبلية ورواية الجاحظ، فقد قال الجاحظ: وكذلك كان يصنع في جميع مسائله، حتى كان يجيبه في كل ما سأل عنه، حتى إذا بلغ المخنق، والموضع الذي إن قال فيه كلمة واحدة برئ منه صاحبه، قال: ليس أنا متكلم)	Religion
ويرد أحمد إلى موضعه، ويأتيه الرسل من جهة الخليفة، أيضا للإقناع والتطميع، ويأتيه أحمد بن أبي دؤاد فيقول: يا أحمد، إني عليك لمشفق، ولقد غمني أن رأيت اسمك مع هؤلاء الناس [	Religion
ليس هذا فحسب، بل أمر ابن أبي دؤاد بواب السجن ألا يتسلط على أحمد، وألا يسيء إليه	Religion
كان أحمد يظن أنه سيقتل، على الرغم من كثرة التأكيدات أن المسألة ليست هي السيف، ولو كانت السيف، لما كان لتكرار المحنة، وإرسال الرسل، وبذل هذا الجهد كله من معنى، فقد كان يكفي انقطاع في مجلس واحد، لتقوم الحجة (بحسب المفاهيم الفقهية)	Religion
ونجد أحمد يقول: لعله القتل، فهذا كان غاية ما يخافه	Religion
يبدو أن الفقهاء والقضاة كانوا متمسكين ب ظاهر القرآن، وسيأتي معنا الحديث عن نأي أحمد، بل تأصيله لتقديم ظاهر الحديث على ظاهر القرآن، يقول أحمد: احتجوا علي بظاهر القرآن، وقالوا: إنك تنتحل الحديث	Religion
واحتجأحمد عليهم بالآية ﴿ألا له الخلق والأمر﴾ (الأعراف: 54)، مستنتجا أن الخلق غير الأمر، والقرآن أمر الله، فالقرآن غير مخلوق (وهذه الآية ليست قطعية الدلالة على ما يريد، فالآية تقول: ﴿وكان أمر الله مفعولا﴾ (النساء: 47)، وتقول آية أخرى: ﴿لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا﴾ (الطلاق: 1)، وتقول آية ثالثة: ﴿والله غالب على أمره﴾ (يوسف: 21)، تلك الآيات الثلاث تثبت أن الأمر مفعول، ومحدث، ومغلوب عليه، فكيف لا يكون مخلوقا؟ والأصل في التنازع العودة إلى القرآن مصدرا أولا، ثم السنة، والحاصل أن استدلال أحمد فيه نظر، ولم يقم على استقراء جميع الآيات في الباب)	Religion
وأحمد بن أبي دؤاد يقول في أثناء ذلك: والله الذي لا إله إلا هو يا أمير المؤمنين، لئن أجابك، لهو أحب إلي من مئة ألف ومئة ألف (فالداعي، إذا، هو المعتصم وما أحمد بن أبي دؤاد إلا موظف)، وأحمد بن حنبل يقول للمعتصم: علام تدعوني إليه، لا من كتاب الله ولا من سنة نبيه، تأويل تأولوه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن جدال في القرآن، وقال: ‘المراء في القرآن كفر’، ولست صاحب مراء ولا كلام، وإنما أنا صاحب أخبار وآثار	Religion
هاهنا قال ابن أبي دؤاد: ليس من التدبير تخليته هكذا [	Religion
حينئذ قال له المعتصم: يا أحمد، إني عليك مشفق، فأجبني [	Religion
لكن أحمد أصر على موقفه، فقال له المعتصم: لعنك الله، لقد طمعت فيك أن تجيبني، وهنا جلد أحمد	Religion
وبعد المعتصم، يعود أحمد إلى نشاطه العلمي، قال حنبل بن إسحاق: لم يزل أبو عبدالله أحمد بن حنبل رضي الله عنه، بعد أن أطلقه المعتصم، وانقضاء أمر المحنة، وبرأ من ضربه، يحضر الجمعة، والجماعة، ويفتي ويحدث أصحابه، حتى مات أبو إسحاق [أي المعتصم]، وولي هارون ابنه، وهو الذي يدعى الواثق، فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى ابن أبي دؤاد وأصحابه	Religion
قال حنبل: وسمعت أبا عبدالله يقول: ‘إذا صلى بك إمام يوم الجمعة، وله رأي؛ فأجب للجمعة، إذا كان الذي يأمره به، يعني الداعي، يدعو إلى رأي، فأجبت الجمعة، وأعدت الصلاة، فلا بأس	Religion
كانت المحنة بالفعل قد اشتدت في عهد الواثق، ولأن ما يخصنا هو أحمد بن حنبل فقط، وما جرى له هو فقط، فلن نفيض في الحديث عنها، إلا بالقدر المتصل بأحمد بن حنبل	Religion
لم يقف بعض المحدثين المتصلين بأحمد مكتوفي الأيدي أمام اشتداد الواثق في أمر المحنة، حتى إنه، أول مرة، يفرق بين الرجل وزوجته، وهي تطبيقات عملية متصلة بحكم المرتد في وجوب التفريق بينه وبين أهله، ولا يفعل هذا إلا القضاة، وكان قاضي القضاة هو ابن أبي دؤاد الحنفي، ولا تجري مثل هذه الأمور إلا عن أمره وأمر الخليفة	Religion
وتأتي مجموعة من أهل الحديث إلى أحمد بن حنبل، لينالوا مباركته على الخروجعلى الحاكم، ونزع سلطانه، فقال لهم أحمد: عليكم بالنكرة بقلوبكم، ولا تخلعوا يدا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، انظروا في عاقبة أمركم، ولا تعجلوا، واصبروا حتى يستريح بر ويستراح من فاجر	Religion
ويأتي الأمر من الواثق إلى أحمد بن حنبل أن لا يجتمعن إليك ولا يأتينك أحد، ولا تساكني بأرض ولا مدينة أنا فيها، فاذهب حيث شئت من أرض الله	Religion
لم يثبت أن هناك علاقة وطيدة لأحمد بن نصر الخزاعي بأحمد بن حنبل، وقد ذكرنا موقف أحمد في الخروجعلى الحاكم ووجوب السمع والطاعة، وحقن الدماء، وعدم شق عصا المسلمين	Religion
وقد احتفى الحنابلة، من بعد، بأحمد بن نصر الخزاعي، وترجموا له في طبقاتهم، ورووا في حقه الأساطير، فرأسه المقطوع يتلو القرآن، ويتحول إلى القبلة، وغير ذلك من الرؤى والخوارق والمنامات والكرامات	Religion
انتهت المحنة بموت الواثق، ورفعها المتوكل، وحاول تقريب أحمد، وجمع العلماء والمحدثين في سر من رأى (أي في عسكر السلطان)، وهو ما لا نحتاجإلى الحديث عنه في هذا الموضع، وبهذا تنتهي فصول المحنة التي أثرت وما تزال تؤثر في ما يسمى عقائد أهل السنة، حتى هذه اللحظة، وحسبك أن في عهد المتوكل جرت أول محاكمة في التاريخ ل مبتدع رافضي لأنه شتم الصحابة، فجلده القاضي (الحنفي) أبو حسان الزيادي، بأمر من السلطة السياسية (أي المتوكل الذي أورد ابن عساكر أنه بنفسه اعتنى باختيار السياط لتعذيب الرافضي)	Religion
وانطلق المتوكل يدعو المحدثين إلى التحديث بالأحاديث التي فيها رد على المعتزلة والجهمية	Religion
لا شك لدي في أن المحنة زادت من رفعة أحمد بن حنبل عاليا، ونقلته من أن يكون إما من أئمة أهل الحديث، معرفة بالرجال جرحا وتعديلا، وتصحيحا للحديث وتضعيفا، إلى إمام مذهب عقائدي وفقهي، حتى أصبح الانتساب إلى مذهبه العقائدي انتسابا إلى أهل السنة، وأصبح أحمد كما قال ابن القيم إمام أهل السنة على الإطلاق	Religion
وما أدعيه من تسبب المحنة في هذه الانتقالة الكبرى في إمامة أحمد؛ من أن يكون إما مبرزا من أئمة أهل الحديث، إلى أن يكون إمام أهل السنة على الإطلاق، قد قيل من قبل، فقد أورد ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل عن أبي زرعة أنه قال: لم أزل أسمع الناس يذكرون أحمد بن حنبل بخير ويقدمونه على يحيى بن معين وأبي خيثمة، غير أنه لم يكن من ذكره ما كان بعد ما امتحن	Religion
ولقد بلغت منزلته أن وضعت في محنته الأساطير، من مثل قصة السراويل التي أشبعها ابن أبي يعلى تكرا في طبقات الحنابلة؛ فتارة ينزل السراويل ليقع فيتم أحمد بشيء، فيعود السراويل كما كان	Religion
وقد تنبه الذهبي، مثلا، إلى المبالغات في قصة السراويل هذه، فأشار إلى أنها منكرة موضوعة، وعاب على أبي نعيم صاحب كتاب حلية الأولياء أنه ذكر هذه القصصوغيرها مما حكم الذهبي بأنه قصصسمجة	Religion
ليس ذاك فحسب، بل صار أحمد بن حنبل هو معيار الانتماء إلى السنة، فنراه يوصف مثلا بأنه يحفظ على الأمة أمر دينها، وما هو إلا فرد واحد وكأن دين الأمة محفوظ بفرد واحد	Religion
وبعد، فسنرى في الباب الثاني ما يتسع له المقام من منهجأحمد ومشروعه ومواقفه الفقهية والعقائدية، ونرى تطورات ذلك في الفقه الحنبلي، واضعين اليد، بعد ذلك، على نماذجمن أحمد بن حنبل المتخيل	Religion
ولد أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، وهو عربي صميم، في بغداد، في شهر ربيع الأول، عام 164ه، أي في خلافة المهدي، حيث جرى الانفضاض رسميا بين البيت الطالبي والبيت العباسي، وجرى التمييز عمليا بين من هو علوي/طالبي ومن هو هاشمي/عباسي، قبل أن ينشق البيت الطالبي لاحقا، على نحو ظاهر، بين من هو علوي، ومن هو فاطمي	Religion
أما طفولته ونشأته، فتروى أخبار تؤكد صلاحه وحسن تربيته منذ صباه؛ فقد كان حسن الخط وهو صغير، وكان النساء يستكتبنه جوابات لهن، فكان لا ينظر إليهن، وربما أملين عليه الشيء من المنكر فلا يكتبه	Religion
ووصفه تلميذه المروذي بصفة جامعة، فذكر أنه كان لا يجهل (أي حليما)، وأنه كان يحتمل الأذى ويصبر عليه، ولم يكن بالحقود ولا العجول، ولم يكن يميل إلى بعض أقاربه دون بعض، كثير التواضع يحب الفقراء، ويعزهم في مجلسه، ويعرض عن أهل الدنيا، تعلوه السكينة والوقار، يجلس في مجلسه بعد العصر للفتيا (أي إنه كان يقدم نفسه للناس مفتيا)، ولا يتكلم حتى يسأل (وهذه نقطة مهمة تعني أنه لم يكن يتبرع بالحديث بل يسأل فيجيب، وإن لم يسأل انصرف، وهذا ليس سبيل الدعاة)، ويجلس حيث ينتهي به المجلس ولا يتصدر، وكان حسن الخلق دائم البشر لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ، وكان لا يجامل أحدا في الحق	Religion
ليس هناك ما يدل على أن أحمد كان ذا مشروع دعوي، أي ما هو قائم على الاستقطاب وجلب الناس على نحو مقصود لهدف سياسي، فلم يكن داعية	Religion
وكان ينهى عن كتابة فتاواه هو نفسه، وغضب على أحد تلاميذه لأنه كتب آراءه، وأفتى بها، وكان يأخذ عليها الأجرة، وكم من حنبلي اليوم، وقبل اليوم، يعمل موظفا في الإفتاء وينال الأجرة مخالفا أحمد مخالفة صريحة	Religion
لقد كان أحمد، باختصار، محدثا من المحدثين، نقادة للرجال جرحا وتعديلا، عارفا بتاريخهم وأسمائهم وكناهم، وربما استفتي فأفتى، لكن فتاواه من أبعد الأشياء عن القطع	Religion
وإذا كنا قد علمنا كراهية أحمد الشديدة، ونهيه الجازم عن كتابة أي كتاب غير كتب الحديث، شككنا في تلك الكتب والرسائل المنسوبة إليه؛ ومن ذلك الكتاب الشهير المطبوع مرا، استمرا في صناعة أحمد بن حنبل المتخيل، الرد على الجهمية والزنادقة، وكذا رسالة الصلاة، ورسالة الإصطخري، وغيرها، مما يدخل في باب أحمد بن حنبل المتخيل، وقد لفتني جدا تنبه الذهبي إلى وضع هذه الرسائل على أحمد بن حنبل، وتساءل: كيف جازت على أهل الحديث؟! إلا ما نقله عنه تلاميذه وأبناؤه من المسائل، وما سوى ذلك فليس إلا كتبا حديثية؛ ككتابه المسند الذي توفي أحمد قبل إنهائه وتبييضه	Religion
أما المسند، وهو طريقة من طرق تدوين الأحاديث، فليس هو مقسما على طريقة أبواب الفقه؛ إذ ليست المسندات إلا جمع الأحاديث التي رويت عن كل صحابي على حدة، مهما كانت أبوابها الفقهية والعقائدية	Religion
والخلاصة أنه لم يكن لأحمد بن حنبل إلا مشروع واحد أوحد، هو الحديث النبوي، رواية ودراية، فقط لا غير، من دون وضع مانفيستو عقائدي، بأي اسم من الأسماء، وهو ما شاع بعد أحمد، ليتحول الإيمان إلى حزمة عقائد ومقالات محددة ومعينة؛ من خالف جزئية منها خرجعن السنة والجماعة وسبيل أهل الحق	Religion
من المعلوم أن أحمد بن حنبل يعد رأسا في مدرسة أهل الأثر، التي لا تتجاوز النصوص، وتقدمها على القياس، على خلاف أهل الرأي عامة، والحنفية خاصة	Religion
فها هو ذا يثبت قراءة قرآنية بما جاء في الحديث، مع أن قراءات القرآن لها أسانيدها الخاصة بها؛ إذ القراءات القرآنية لا تؤخذ إلا بالتلقي، وتبلغ حد التواتر (التواتر الخاصعلى الأقل)	Religion
ومن المتسالم عند الحنابلة أن أحمد بنى فتاواه على خمسة أصول، ذكرها ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين (والعنوان هنا لافت فالمفتي موقع عن الله، كما يوقع الكاتب باسم السلطان)؛ فالأصل الأول عنده هو النصوص (بالمعنى العام، وهو يشمل القطعي والظني)؛ فإذا وجد النص أفتى بموجبه ولم يلتفت إلى ما خلفه ومن خالفه كائنا من كان	Religion
أما الأصل الثاني فهو فتاوى الصحابة، ف إذا وجد لبعضهم فتوى لا يعرف له مخالف منهم فيها لم يعدها إلى غيرها، ولم يقل: إن ذلك إجماع، بل من ورعه في العبارة يقول: لا أعلم شيئا يدفعه، أو نحو هذا [	Religion
فإذا لم يجد نصا ولا فتوى مما ذكر، لجأ حينها إلى القياس، لجوء اضطرار، أي إن استعمال القياس عند أحمد ليس شيئا مرغوبا فيه، إلا على سبيل الضرورة لا غير، وبتعبير آخر؛ إنه أشبه بأكل الميتة في الإسلام للمضطر	Religion
فهو أثري لا يقبل الرأي ولا القياس إلا في حدود الضرورة، وهذا هو مربط الفرس في الخصومة بينه وبين أهل الرأي؛ الذين يتوسعون في القياس، ويردون الآثار وفق شروطهم ومعاييرهم	Religion
ذاك منهجأحمد بن حنبل على الإجمال، ونستطيع أن ندعي أنه يدور حول الحديث والأثر، أما على التفصيل فهناك ملاحظات تجدر الإشارة إليها:	Religion
قد يتفق ظاهر القرآن مع ظاهر الحديث، وحينئذ يكون هذا أعلى شيء في الاستدلال وأقواه	Religion
يقول مذهب الفقهاء ب ظاهر القرآن، ويقدمه على خبر الآحاد، فضلا عن ظاهر الخبر أي معناه الظاهري (ليس المؤول)، لكن أحمد بن حنبل يرى خلاف هذا	Religion
وإذا كان للآية ظاهر فلا يؤخذ به حتى ينظر في السنة، فهو الدليل على ظاهرها، فإن لم يكن، نظر في عمل الصحابة	Religion
ومن النصوصالمنسوبة إلى أحمد بن حنبل، ما يجعل القارئ يظن أنه يفضل أن ينأى عن ظاهر القرآن	Religion
حديثان صحيحان يدل ظاهرهما على خلاف ظاهر القرآن، أولى من حديث صحيح يوافقه ظاهر القرآن، ولاحظ هنا في قوله: معه ظاهر القرآن، فكأن المرجعية للحديث وأن ظاهره قبل ظاهر القرآن، لكن ظاهر النصالقرآني لا يرجح حديثا على آخر، بل الحديث هو المرجح، وكأن ظاهر الحديث عند أحمد، أقوى من ظاهر القرآن	Religion
غير أن موقف الحنفية/أهل الرأي مختلف عن موقف أحمد؛ فإذا جاء حديث يخالف ظاهر القرآن، وكان للحديث عدة معان، فيحمل الحديث على ظاهر القرآن، أما إذا لم يكن الحديث يحتمل أي معنى يوافق ظاهر القرآن، فيعد عندهم شاذا مردودا، وهذا هو مذهب الفقهاء، فهم يجعلون ظاهر القرآن أصلا ومعيارا لصحة الحديث وظاهره	Religion
ليس الأمر كما وصف ابن القيم في الأصل الثاني في أن أحمد يعود إلى الصحابة ثم إلى الحديث المرسل والضعيف مقدما ذلك على القياس	Religion
نعم، ورد عنه مثلا أنه أن استدل بالصحابة في شيء فرد عليه أحد تلاميذه بفعل التابعين، فقال له أحمد: أقول لك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: التابعين؟	Religion
لكننا نجده يميل إلى قول التابعين في بعض المسائل؛ فمن ذلك مثلا: أنه نهى عن أن يرى العبد شعر مولاته، على الرغم من وضوح الآية في القرآن الكريم: ﴿ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن﴾ (النور: 31)	Religion
وهذا ظاهر القرآن في إلحاق ما ملكت أيمانهن بما يجوز إظهاره للمذكورين في الآية	Religion
لم يقطع أحمد، على عادته، في الحكم، بل قال: هذا أعجب إلي، لكن المقصد هنا أنه استدل بالتابعين، على الرغم من وجود حديث	Religion
وعلى أن المقرر من أصول أحمد تقديم الصحابة على التابعين؛ فإنه أخذ هنا بقول التابعين خلافا للصحابي ابن عباس	Religion
وذكر لأحمد تلاميذه إسناد حديث، فأقر أنه لا بأس به، إلا أنه رجح قول التابعين على الحديث، لا لضعف الحديث، ولكن لكثرة التابعين	Religion
ونجده مثلا حين يسأل: من من العلماء قال إن القرآن غير مخلوق؟ فيجيب: جعفر بن محمد، أي جعفر الصادق، وتارة يحتجبالعلماء الذين عاصرهم، ولو وجد نصا عن صحابي لاحتج به، وكذا كل ما أورده الخلال في نقوله حول أن القرآن غير مخلوق يعتمد فيه على أقوال من التابعين ومن بعدهم، ولم يستدل بأي أثر واضح الدلالة عن النبي ولا عن أحد من الصحابة	Religion
والمقصد من ذكر هذا في المنهج المنسوب إلى أحمد بن حنبل؛ توضيح أن ما يطلق عليه اليوم أنه منهجه؛ ليس بالضرورة أن يكون دقيقا، إذ ربما يدخل كثير منه في باب المتخيل	Religion
لأحمد بن حنبل طريقة في فتاواه يبتعد فيها كثيرا عن القطع والجزم، فهو، مثلا، على الرغم من اتباعه للحديث وحرصه عليه، يقول، في نصوصمتأخرة، نقلها الفقيه الحنبلي الشهير أبو يعلى الفراء في كتابه العدة، قال: روى الأثرم عن أبي حفصعمر بن بدر قال: الأقراء الذي يذهب إليه أحمد بن حنبل رحمه الله: أنه إذا طعنت في الحيضة الثة، فقد برئ منها وبرئت منه	Religion
وقال: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح، فيه حكم أو فرض، عملت بالحكم والفرض، وأدنت الله تعالى به، ولا أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك	Religion
وقد أقبل أنا هذه الروايات، وإن كانت متأخرة، لأنها تتفق مع مئات المسائل التي رواها تلاميذه المباشرون عنه، والتي ما فيها قطع ولا جزم	Religion

Subsets and Splits

No community queries yet

The top public SQL queries from the community will appear here once available.